رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"صراع الذهب الأسود يشتعل".. أطماع روسيا وأمريكا تضرب دول الأوبك في مقتل.. وضغوط إيران تهزم السعودية بتمرير اتفاق خفض إنتاج النفط ..وخبراء يحددون تأثيره على مصر

جريدة الدستور

اتفاق طال أمد انتظاره توصلت إليه الدول المنتجة للنفط مؤخرًا، بعد مفاوضات استمرت على مدار يومين، في الجزائر، يخفض بمقتضاه إنتاج البترول الخام، ليصل إلى 32.5 مليون برميل يوميًا، نزولًا بنحو 750 ألف برميل يوميا، عما أنتج في أغسطس الماضي.

دارت كواليس الاتفاق في عدة اجتماعات غير رسمية داخل الغرف المغلقة بين الدول الأعضاء في منظمة الأوبك، وذلك على هامش المنتدى الدولي للطاقة الذي انطلقت فعالياته الإثنين الماضي في العاصمة الجزائر، دار خلالها مباحثات يسودها التكتم بشأن محاولة التوصل إلى اتفاق لتجميد أو تخفيض معدلات إنتاج الخام.

غير أن خلافًا نشب بين الرياض وطهران، عرقل قليلًا الإعلان عن الإتفاق الأخير، بعد ما عرضت السعودية خفض إنتاجها إلى مليون برميل فقط يوميا بشرط موافقة إيران على عدم زيادة معدلات إنتاجها وإبقائها عند مستويات أغسطس، أي عند 3.6 مليون برميل يوميا، إلا أن طهران وفقا لصحيفة "فايننشيال تايمز" ترغب بالعودة إلى مستويات ما قبل العقوبات الدولية عليها، أي عند مستوى إنتاج 4 ملايين برميل يوميا.

وبعد ساعات تسربت أنباء عن التوصل إلى إتفاق مشترك بين الدول الأعضاء، وهو ما أكدته التصريحات الرسمية كاشفه عن التوصل لاتفاق سيتم علي إثره تخفيض الإنتاج بحوالي نصف مليون برميل يوميا، بحسب ما جاء علي لسان وزير النفط النيجيري إيمانويل كاتشيكو، عقب مؤتمر غير رسمي إستضافته الجزائر، ثم خرج وزير النفط الإيراني بيغان زنغنة، ليؤكد كافة التكهنات الرامية في الإتجاه السابق، قائلًا:""لقد اتخذت أوبك قرارا استثنائيا اليوم".

لكن شيئًا من الغموض لازال يكتنف الاتفاق المبرم حديثًا، لاسيما مع إرجاء الإعلان عن تفاصيل الاتفاق حتي اجتماع الدول الأعضاء بمنظمة الأوبك المزمع عقده في شهر نوفمبر المقبل، في فيينا، بعد أن يتم تحديد مستوى الإنتاج لكل دولة، غير أن تقارير أشارت إلي إن التوصل إلى الاتفاق جاء بعد أن خففت السعودية، أكبر منتج للنفط في أوبك، موقفها حيال خصمها إيران وسط تنامي الضغوط التي يفرضها هبوط الأسعار على اقتصادات الدول الاعضاء.

وبعد الإعلان عن الاتفاق تذبذبت أسعار النفط، بين الإرتفاع والهبوط، حيث قفز سعر خام برنت، وهو المؤشر الرئيسي لسعر النفط في السوق العالمية، بنسبة تقترب من 5% ليصل إلى حوالي 49 دولارا للبرميل، بعد أن أنحدر في فبراير الماضي لتتجه صوب أدنى مستوياتها في 11 عاما، مدفوعًا بتخمة المعروض من المادة الخام، ليقترب من مستويات العام 2004، عندما بلغ سعر البرميل دون 34 دولار للبرميل من ذروة بلغت 115 دولارا قبل نحو 18 شهرا.

بينما تراجع خام برنت 17 سنتا إلى 48.52 دولار للبرميل بعد أن ارتفع إلى 49.09 دولار عند فتح السوق وهو أقوى سعر له منذ التاسع من سبتمبر، كما تراجع أيضًا خام غرب تكساس الوسيط أربعة سنتات إلى 47.01 دولار للبرميل بعد أن سجل 47.47 دولار وهو أعلى مستوى له منذ الثامن من سبتمبر.

"ما هي الأوبك؟"
ويشار إلى أن منظمة الدول المصدرة للبترول والتي يختصر اسمها إلى الأوبك، هي منظّمة عالمية تضم إثنا عشرة دولة تعتمد على صادراتها النفطية اعتمادا كبيرا لتحقيق مدخولها، تملك الدّول الأعضاء في هذه المنظّمة 40% من الناتج العالمي و 70% من الاحتياطي العالمي للنّفط. تأسّست في بغداد عام 1960، ومقرّها في فيينا.

"عقبات تنتظر الاتفاق"
وبالعودة إلى الإتفاق المبرم حديثًا، فإنه يشوبه تفاؤل حذر، لاسيما وأن دولًا منتجة للنفط خارج منظمة الدول المصدرة للنفط، أوبك، تأتي على رأسها روسيا تليها الولايات المتحدة والصين وبريطانيا والمكسيك والنرويج، والتي استعادت هيبتها في سوق النفط بفضل إنتاجها من "النفط الصخري"، لن يكتسب الإتفاق صفة إلزامية لهما، لذا سيواصل إنتاجها بكميات كبيرة من النفط في الأسواق، يستمر معه السعر أخذًا في التراجع.

وهو حملت دلائل تأكيده تصريح وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الذي تمسك فيه بالإبقاء علي إنتاج بلاده النفطي عند مستويات شبه قياسية رغم قرار منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) خفض الإنتاج، الذي وصفه بالخطوة الإيجابية.

وذكر نوفاك أن روسيا مستعدة لدراسة مقترحات من أوبك بخصوص اتخاذ إجراء مشترك في سوق النفط وإنها ستجري مشاورات مع المنظمة علي مدار الشهرين المقبلين، ملوحًا إلي إمكانية فرض سقف علي إنتاج النفط لمدة نصف سنة، بناء علي دراسة تلك لمقترحات التي سيتم إعدادها في نهاية المطاف.

كما شهد الموقف السعودي تحولًا استراتيجيًا، بعد أن فاجأ وزير الطاقة السعودي خالد الفالح الجميع بقوله إنه ينبغي السماح لإيران ونيجيريا وليبيا بالإنتاج "بالمستويات القصوى المعقولة" في إطار أي اتفاق لتحديد مستوى الإنتاج قد يتوصل إليه خلال اجتماع أوبك المقبل في نوفمبر، وذلك بخلاف ما أعلنته المملكة سلفًا عن عزمها خفض الإنتاج شريطة إقدام الدول الأعضاء في أوبك والمنتجين المستقلين بخطوة مماثلة.

"أسباب الأزمة"
وسبق الاتفاق دعوات عدة لخفض الإنتاج علي مدي العام المنصرم، لم تلق آذانا صاغية بسبب موقف دول الخليج التي كانت لا تري حاجة إلي ذلك، وآخرها مبادرة فنزويلا في أكتوبر الماضي، والتي أقترحت إعادة العمل بالآلية القديمة المتمثلة في تخفيضات متدرجة للانتاج للسيطرة على الأسعار مع "حد أدنى أولي" 70 دولارا للبرميل ثم استهداف 100 دولار للبرميل.

ويحمل المراقبون الولايات المتحدة المسئولية الرئيسية وراء تراجع أسعار النفط، بسبب ثورة الغاز والنفط الصخريين في الولايات المتحدة التي جاءت نتيجة جهود القطاع الخاص ، فرتفاع إنتاج النفط الصخري ما أدى إلى انخفاض أسعاره وبالتالي إحلاله محل الواردات من ثلاث دول أعضاء في منظمة أوبك: الجزائر وأنغولا ونيجيريا.

هذه الدول خسرت حصتها السوقية في الولايات المتحدة لأنها كانت تصدر النفط الخفيف المماثل في النوعية للنفط الصخري، بينما لم تخسر دول الخليج والعراق سوقها في الولايات المتحدة لأنها تصدر خامات أثقل، وعلى أثر ذلك قامت الدول التي خسرت سوقها في الولايات المتحدة بالبحث عن أسواق جديدة، الأمر الذي جعلها تتنافس مع دول أوبك الأخرى، وبالأخص دول الخليج، في الأسواق الآسيوية والأوروبية، عندها بدأت الدول الخليجية تحس بالضغوط غير المباشرة للنفط الصخري.

معارضة السعودية تحديدًا من قبل تخفيض الإنتاج عندما بدأت الأسعار بالانخفاض، ليس مستغربا، نظرًا لأن الزيادة المستمرة في إنتاج الولايات المتحدة عاما بعد عام، يعني أن الحفاظ على الأسعار بحدود تسعين دولارا للبرميل يتطلب تخفيضا مستمرا لإنتاج المملكة حتى يتلاشى إنتاجها تماما.

وهو ما أتضح جليًا في أحد تصريحات السابقة لوزير النفط السعودي، علي النعيمي، التي حمل فيها دولًا لم يسمها من خارج الأوبك مسؤولية انهيار الأسعار في الأسواق العالمية، مضيفًا أن عدم تعاون دول خارج أوبك ونشاط المضاربين أديا إلى انهيار أسعار النفط، بفعل إنتاجها النفط بطريقة غير مسؤولة".

"تأثيره على مصر"
وعلى غرار المثل القائل مصائب قوم عند قوم فوائد، انعكست أزمة تهاوي سعر النفط طيلة الأشهر الماضية إيجابيًا علي الصعيد المحلي، بعد أن مكنت الحكومة المصرية من خفض تكلفة الدعم الموجه لصالح المواد البترولية تدريجيًا من 126.180 مليار جنيه عام 2013-2014 إلى 73.915 مليار جنيه عام 2014-2015 بنسبة تراجع قدرها 41.4%، ثم 61.7 مليار جنيه عام 2015-2016 بنسبة إنخفاض بلغت 16.5%، وأخيرًا تراجعت قيمة الدعم إلي 35 مليار جنيه في موازنة العام الجاري 2016-2017 بنسبة إنخفاض قدرها 43.2%.

وفي ضوء الأرقام السابقة، رأي خبراء الاقتصاد إتفاق الأوبك المبرم مؤخرًا، ذا تأثير سلبي علي مصر ولكن على المدي البعيد، لما سيترتب عليه تناقص المعروض من المواد البترولية وارتفاع سعره فيما بعد، مقترحين عدة وسائل لتفادي التوابع السلبية للاتفاق علي صعيد الاقتصاد القومي.

الدكتور ماهر هاشم، الخبير الاقتصادي، أكد أن الاتفاق سيكون تأثيره محدود علي الإقتصاد القومي، موضحًا أن مصر لن تتأثر علي المدى القريب بالعلاقة بين العرض والطلب في السوق النفطي وإنما تحكمها الإتفاقيات المبرمة بينها وبين الدول المصدرة للبترول والتي تمتد علي المدي البعيد، وفق الأسعار السارية قبل إبرام الاتفاق الأخير.

وأشاد هاشم، في تصريح لـ"الدستور"، بالقرار الأخير للأوبك، واصفًا إياه بالاتفاق الرشيد، سيؤدي إلي خفض كمية المعروض من المنتجات النفطية وبالتالي يرتفع السعر الي مستوياته الطبيعية قبل الأزمة، والتي أثرت إلي حد كبير علي اقتصاديات دول الخليج.

وشدد علي أهمية استغلال وزارة البترول الإتفاق كخطوة نحو الحد من استنزاف مواردنا البترولية في غير أوجه الأستفادة، وإعطائها قيمة مضافة من خلال تكرير البترول وتدبير احتياجات مصر من الموارد البترولية دون الحاجة إلي الإستيراد من الخارج واستنزاف العملة الصعبة.

بينما رجح الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر، أن يكون الاتفاق حلقة جديدة في الصراع بين السعودية من ناحية وإيران والولايات المتحدة من ناحية أخري، متوقعًا ألا تلتزم الأخيرتين بقرار خفض الإنتاج ومواصلة مضاعفة الكميات المنتجة، لضرب اقتصاد المملكة.

وأشار الخبير الاقتصادي، في تصريحات خاصة، إلي أن المسألة باتت صراعًا سياسيًا، ولعبة قذرة تسعي من وراءها قوي دولية في مقدمتها أمريكا لكسر شوكة مصر من خلال ضرب اقتصاد حلفائها من دول الخليج التي تعتمد بالأساس علي صادرات النفط.

وأضاف: الاتفاق في ظاهرة يصب في صالح دول الخليج النفطية، من خلال خفض المعروض من المواد البترولية، فيرتفع سعر برميل النفط تدريجيًا في المقابل، لكن الأمر يتوقف في النهاية علي مدي التزام الدول الأعضاء في الأوبك وغير الأعضاء بقرار واحد يضمن عدم التوسع في إنتاج كميات كبيرة من النفط.