رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏"حرب قانونية" بين أمريكا والسعودية.. قانون "جاستا" الكارثي يُحطم "فيتو" أوباما.. واشنطن تفتح على ‏نفسها "أبواب جهنم".. وخبراء: "ثلاث مفاجأت خطيرة تنتظرها"‏

جريدة الدستور

أوشكت أمريكا والسعودية على الدخول في حرب قانونية، تدفع قاطرة العلاقات بينهم للانحراف على ‏المستويات كافة؛ بسبب قانون "جاستا" المُثير للجدل، والذي لم يصمد أمامه "فيتو" الرئيس الأمريكي ‏باراك أوباما، بعدما رفض الكونجرس الأمريكي اعتراض الأخير وأقر القانون، أمس الأربعاء.‏

"جاستا ليس وليد اللحظة"
قانون تطبيق العدالة على داعمي الإرهاب المعروف بقانون "جاستا"، الذي أضحى حديث الساعة في ‏واشنطن والرياض، يجيز لعائلات ضحايا اعتداءات 11 سبتمبر مقاضاة الدول التي تورط رعاياها في ‏عمليات إرهابية، ولكن فكرة المشروع ليست وليدة للحظة وتعود إلى عام 2004. ‏

في ذلك العام قامت الإدارة الأمريكية السابقة، بقيادة الرئيس السابق جورج بوش، بعد الهجمة الإرهابية ‏بحجب نحو 28 صفحة من تقرير لجنة الكونجرس، التي تشكلت للتحقيق في الأحداث، والمكون من 567 ‏صفحة، وتحويل الصفحات الـ28 لقانون سرية الوثائق الحكومية‎.‎

ضعف القدرة على جمع معلومات استخباراتية عن المشتبه بتورطهم في عمليات إرهابية، هي الحجة التي ‏تذرعت بها أمريكا لإخفاء مضمون الـ28 صفحة، وآثار هذا الأمر موجة من الشائعات والتساؤلات ‏والمطالبات حول إزالة السرية عنهم.‏

"إدارة أوباما"
ولكن جاءت إدارة أوباما وسارت على نفس المنهج، وظهرت شبهات حول ارتباط عدد من الدول من ‏بينها السعودية بالأحداث، ما دفع السيناتور الديموقراطي "جاك شومر" والسيناتور الجمهوري "جون ‏كورنين" للتقدم بمشروع قانون "جاستا".‏

"28 صفحة"
ورغم أن مشروع القانون لم يرد فيه اسم السعودية، وكل التقارير أثبتت عدم تورط المملكة في أحداث ‏سبتمبر، إلا أن اللغط دار حول الـ28 صفحة المحجوبة التي قيل أن فيها ما يدين السعودية وارتباطها ‏بالأحداث. ‏

ومنذ صدور تقرير اللجنة في 2004، تطالب السعودية بنشر هذه الصفحات الـ 28 السرية من تقرير ‏التحقيقات حول هجمات 11 سبتمبر، ولم تكن تخشى ما فيها كما صرح بذلك عدة مرات الأمير سعود ‏الفيصل.‏

ومرر هذا المشروع مطلع الشهر الجاري على مجلس الشيوخ وأخذ الموافقة عليه بالإجماع، وتم رفعه إلى الرئيس أوباما ‏للمصداقة عليه، إلا أن الإدارة الأمريكية أعلنت رفضها له، واستخدم الأمريكي حق "الفيتو" ضده؛ بدعوى ‏أنه يخالف مبدأ الحصانة السيادية التي تحمي الدول من القضايا المدنية أو الجنائية، حتى صوت بالأمس ‏الكونجرس على رفض فيتو الرئيس الأمريكي.‏

‏"سيناريوهات القانون"‏
وبعد إقرار واشنطن للقانون، بات التساؤل الذي يفرض نفسه هو كيفية تطبيقه على المملكة؟ لاسيما أنها ‏دولة ذات سيادة لا يمكن محاكمتها في محاكم أجنبية، وهو ما فسره خبراء القانون الدولي في تصريحات ‏خاصة لـ"الدستور"، محددين ثلاث مفاجأت تنتظر أمريكا بعد القانون.‏

"تعد صارخ"
الدكتور محمد عطا الله، أستاذ القانون الدولي، أوضح أن إقرار القانون يعتبر تعدي صارخ للسيادة على الدول ‏التي قيل أنها متورطة في الحدث ومن بينها السعودية، مشيرًا إلى أن تلك السيادة تكفل للدولة حقها في ‏الاعتراض على قيام القضاء الأجنبي لدولة اخرى بالنظر في أية قضية ترفع ضدها خارج أراضيها.‏

ولفت إلى أن مبدأ الحصانة السيادية لتنظيم العلاقات بين الدول نص عليه القانون الدولي ولا يمكن لأمريكا ‏مخالفته، فإن إقرار المشروع يعد مخالفة أمريكية كبرى، يؤسس لسابقة خطيرة في العلاقات الدولية.‏

وأوضح أنه لا يمكن فرض القانون على السعودية أو تطبيق أي تعويضات عليها سوى بإقرار محكمة ‏دولية، حتى تستطيع الدفاع عن نفسها، ومن الطبيعي أن التعويض لا يتم إلا من خلال حكم قضائي، ‏والقضاء الامريكي ليس من حقه محاكمة السعودية.‏

واختتم بإن مشروع القانون في حالة إقراره سوف يؤدي الى هروب رؤوس الأموال الأجنبية من السوق الامريكي خشية من الابتزاز وتعرضها للتجميد بأوامر قضائية من محاكم ‏أمريكية، لتكون تعويضات لضحايا الأحداث وهو ما يؤثر على الاقتصاد الأمريكي.

"محاكمة أمريكا"
أما الدكتور أحمد مهران، أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، فيقول أن هذا ‏القانون فتح أبواب جهنم على الإدارة الأمريكية، التي لم تحسب تبعاته جيدًا، لاسيما أن السعودية ‏حليف استراتيجي قوي لأمريكا في الشرق الأوسط، وتأثيرات القرار لن تكون سياسية أو قانونية فقط ولكن ‏على الصعيد الاقتصادي أيضًا.‏

وأشار إلى أن ضحايا الحادث يمكنهم اللجوء إلى محكمة العدل الدولية للحصول على تعويضات مالية، كما ‏أن الحكومة الأمريكية من الممكن أن تحل محل أهالي الضحايا وتمثيلهم أمام المحكمة، فقد يصعب على ‏الأفراد إتخاذ تلك الاجراءات الدولية. ‏

ويضيف: "كما أن القانون يشوبه عوار جسيم، لأنه يحمل السعودية مسؤولية مدنية لاشتراك رعاياها في ‏تنفيذ أحداث 11 سبتمبر، في الوقت الذي لم تكن فيه السعودية شريكًا في التحقيقات التي سبقت إقرار ‏القانون، أو إعداد الأدلة أو الاطلاع بشكل رسمي على الـ28 صفحة الخاصة به، ولم تسطتع الدفاع عن ‏نفسها، فلا يمكن توجيه جريمة إليها لم تعلم عنها شيء".‏

وتوجه إلى طرح خطير بإن أمريكا ستخضع إلى نفس المعايير، ومن حق دول العام سن قوانين ‏مماثلة لمحاكمة واشنطن على جرائمها في المحاكم الأجنبية، فمن حق العراقيين والأفغان واليابان ‏محاكمتها على ما فعلته عام 2011، وهو ما يؤسس فوضى قانونية في العلاقات الدولية.‏