رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

‏خطايا سوداء تطارد "عبد الناصر" في قبره.. زوار الفجر "ميليشيات" لتكميم الأفواه بأمر الدولة.. ومقتل "الرجل الثاني" جريمة السلطة التي حيّرت أطباء العالم

جريدة الدستور

لا يختلف إثنان عن أن الرئيس الراحل جمال عبدالناصر كان زعيمًا للأمة لن يتكرر، أنقذ البلاد من ‏مصير محتوم وتمتع بشعبية جارفة لا يضاهيه فيها أحد، ولكن مثلما حظت حقبته الرئاسية التي ‏استمرت نحو 18 عامًا بإنجازات وإيجابيات إلا أنها لم تخل أيضًا من السلبيات والخطايا التي لازال الكثير منها ‏بمثابة لغز لم تنكشف حقائقه بعد.‏

‏"محمد نجيب"‏
نقطة سوداء اعترت حكم "عبدالناصر" الزعيم الشعبي، بعدما طالت أول رئيس لجمهورية مصر العربية محمد ‏نجيب، واختلفت حولها الأقاويل ونشبت القصص العديدة بشأنها، بين من يؤكد أنه تم إهانته وتشرديه بوضعه تحت الإقامة الجبرية ‏بأمر من الرئيس، ومن يرى أنه تعرض لعملية اغتيال مُحكمة للخلاص منه.‏

فعقب ثورة 23 يوليو اعترض نجيب عن تدخل الجيش في الحكم، وأكد ضرورة عودة الجيش والقوات ‏المسلحة إلى ثكناتها، وأن تعود الحياة النيابية لسابق ‏عهدها، بوجود رئيس مدني ومجلس نواب، لا يتدخل الجيش في إيًا منهما، وهو ما أشعل الخلاف داخل مجلس قيادة الثورة.‏‎

ورغم أنه أول من صَعد إلى حكم مصر إلا أنه عُزل منه سريعًا في نوفمبر 1954، عندما قرر مجلس ‏قيادة الثورة ذلك؛ ما أثار غضب ‏طوائف عريضة من الشعب وطالبوا بعودته، فما كان أمام السلطات ‏المصرية سوى وضعه تحت الإقامة الجبرية في قصر ضاحية المرج ‏المنعزلة وقتها، وتم منعه من ‏الخروج أو من مقابلة أحد حتى عائلته.‏‎

وعقب النكسة أرسل برقية إلى عبدالناصر يطلب منه السماح بالخروج في صفوف الجيش، إلا أنه لم ‏يتلق ‏أي رد منه، وظل علي هذا الحال إلى أن أفرج عنه الرئيس الراحل محمد أنور السادات بعد حرب ‏‏1973 ‏ورغم هذا ظل الأخير يتجاهله تمامًا.‏‎

ويرى الكثيرون أن نجيب كان الواجهة البراقة التي استخدمها الضباط الأحرار بقيادة عبدالناصر ‏للإعلان ‏عن أنفسهم، وتخلصوا منه عندما استنفدوا غرضهم منه، ولكنه ظلم كثيرًا بعد ذلك، لاسيما مع ‏وفاة اثنين ‏من أبنائه وهو على قيد الحياة، وكان مصيرهما مأساويًا فقد عمل أحد أبنائه سائق عربة أجرة، ‏وتشرد ‏ الباقون.‏ ‏

‏"زوار الفجر"‏‎
وما تلا فترة حكم عبدالناصر، كان أكثر مأساوية وتشويهًا للثورة، حيث استطاع السيطرة على ‏مقاليد ‏الحكم بقبضة عسكرية، وشهدت السجون خلال هذه الفترة حالات تعذيب لا تعد ولا تحصى على يد ‏ما عُرف باسم "زوار ‏الفجر"، التي شبهها الكثيرون بإنها مليشيات من أجل تكميم أفواه المعارضية للدولة، وخصوصًا بعد إنشاء المحاكم الخاصة بالشعب والثورة والغدر والطواريء تتخص كلًا منهم في قضايا معينة.

‏"قتل الحياه السياسية"‏
وأضر عبدالناصر كثيرًا بالحياه السياسية، بين القمع السالف ذكره، وطمس معالمها، من خلال إصدار ‏قرار بحل الأحزاب المصرية كافة، وإلغاء إنشائها مرة أخرى، واستبدالها بالإتحاد الاشتراكي، ليكّون بذلك ‏قبضة قوية على سلطته في الحكم عقب 4 أشهر من قيام الثور.‏

‏سياسة الاعتماد على التنظيم الواحد قتلت فكرة وجود أي معارضة للسلطة، ودفع الجميع للوقوف في ‏صفوف النظام، وبرر وقتها عبدالناصر إلغاء الأحزاب في جملة شهيرة له قال فيها: "لو عملنا حزب ‏رأسمالي يطلع تابع لأمريكا ولو عملنا حزب شيوعي يطلع تابع للاتحاد السوفيتي".‏

وحين ثار الضباط الأحرار ضد نظام الملكية باعتبارها حكمًا توارثيًا، استجاب الزعيم الشعبي واستبدلها ‏بنظام جمهوري يقوم علي نقل السلطة إلي الشعب، ورغم ذلك ظل الأخير غير مشارك في الحكم سوى ‏الموافقة علي الاستفتاء لمد فترة الرئاسة مرة أخرى، الأمر الذي كان سببًا في عدم تداول السلطة. ‏

‏"نكسة 1967 "‏
بالرغم من أن الحروب التي تخوضها دول العالم تكون معرضة فيها للنصر أو الهزيمة، إلا أن كثيرون ‏اعتبرو حرب 1967، التي هزم فيها الجيش المصري أمام إسرائيل واحتلت قواتها سيناء وقطاع غزة ‏والضفة الغربية، نقطة سوداء في عهد عبدالناصر، وحملوه مسؤولية الهزيمة.‏

هو الأمر الذي أكده شمس بدران وزير الحربية في عهد عبدالناصر، خلال مذاكرت له بعنوان: "القبض ‏على عبدالناصر"، رأى فيها أن الزعيم الراحل خاطر بأغلب الجيش المصري في تلك الحرب، ولم يكن ‏وقتها يُدرك قوة إسرائيل وخسائر الدخول معها في حرب، منوهًا أنه كان يجب عليه القبض على ‏عبدالناصر بعد الهزيمة.‏

‏"عبدالحكيم عامر"‏
ولا يزال المشير عبدالحكيم عامر، إحدى رجال ثورة يوليو، لغزًا يطارد حقبة عبدالناصر الرئاسية، فعقب ‏الثورة تم الإعلان عن وفاة رجل الدولة الثاني "عامر"، ودارت من هنا الشبهات حوله، فقيل أنه أقدم على ‏الانتحار بعد الهزيمة، ولكن البعض الآخر رجح موته مسومًا.‏

وفك الإعلامي يسري فودة بعضًا من طلاسم هذا اللغز، حين قدم حلقتين كاملتين من برنامجه "سري ‏للغاية" تحت عنوان "موت الرجل الثاني" يتحدث فيها عن الظروف والملابسات التي أدت إلى وفاة ‏‏"عامر" استضاف فيها متخصصون وأطباء شرعيون خلال تلك الفترة أكدوا استحالة انتحار "عامر"، برغم من أن الواقعة حيرت أطباء العالم وتداولها الجميع بين القيل والقال.

واتجهت أصابع الإتهام إلى "عبدالناصر"، لاسيما أن بريق "عامر" كان قد لمع في الفترة الأخيرة واعتبره ‏الكثيرون رجل الدولة الثاني، فقد كان إحدى الضباط الأحرار، وعضو مجلس قيادة الثورة وزميل له في سلاحه العسكري، وأنشأ الكلية الفنية العسكرية، وأنشأ سلاح الصاعقة، وقام بإنشاء المصانع الحربية، ولم ينجح ‏السوڤييت في إقامة قواعد عسكرية لهم في مصر إلا بعد موته.‏

‏"فصل مصر والسودان"‏
ويعد قراره بفصل مصر عن السودان إحدى الخطايا التي وقع فيها عبدالناصر، لاسيما بعدما كال له ‏الجميع اتهامات بإنه أول من أسس للحركات الانفصالية في الوطن العربي، فقبيل الثورة كانت مصر ‏والسودان وجهان لعملة واحدة، لاسيما بعد توقيع مصر وبريطانيا إتفاقية الحكم الذاتي للسودان.‏

لكن حدث تباعد قوي بين الجانبين أدى إلى إعلان إسماعيل الأزهري رئيس الوزراء، انفصال مصر عن ‏السودان في عام 1956 داخل البرلمان السوداني، لتنهار شعارات الوحدة الوطنية البراقة التي تغنى بها الجميع في ذلك الوقت.