رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المثقفون وحكام مصر «٤»


جمال عبد الناصر الذى رفض أن يفصل توفيق الحكيم من وظيفته وضع الكاتب الإسلامى والمفكر المعروف محمود شاكر فى السجن، وفصل الأديب يحيى حقى من وظيفته فى أكتوبر 1958 .


%d8%ad%d9%85%d8%af%d9%89%20%d8%a7%d9%84%d8%a8%d8%b7%d8%b1%d8%a7%d9%86.tif

يذكر «محمد حسنين هيكل» أن عبد الناصر قرأ قصة مدينتين للروائى الإنجليزى الكبير «تشارلز ديكينز» وهو ما جعله يرفض إعدام الملك فاروق، ويختار طرده خارج البلاد باعتبار أن الدم لا يفضى إلا إلى مزيد من الدم. كما أنه كان يتابع كل ما يكتبه المثقفون والكتاب المرموقون فى مصر وخارج مصر. فى بداية حكم جمال عبد الناصر. حدث أن طلب مجلس قيادة الثورة من الوزراء تطهير الوزارات من العاطلين والمهملين، وعديمى الإنتاج من بين الكبار الموظفين، وشكلت لجان لهذا الغرض، وبدأ كل وزير يعرض النتائج التى توصلت إليها اللجان فى وزارته على مجلس الوزراء فى صورة تقارير مشفوعة برأى الوزير، وحدث أن عرض إسماعيل القبانى وزير المعارف ما قررته اللجنة المشكلة فى وزارته بشأن عديمى الإنتاج من الموظفين، وكان الكاتب المعروف توفيق الحكيم يرأس دار الكتب التابعة لوزير المعارف، وذيلت اللجنة تقريرها بطلب إحالة توفيق الحكيم إلى المعاش بحجة أنه موظف غير منتج، وعند مناقشة التقرير قال الوزير إسماعيل القبانى أمام مجلس الوزراء عن توفيق الحكيم إنه لا يكاد يحرك ورقة من مكانها، استمع إليه عبد الناصر حتى فرغ وقال له : - من سوء التقدير أن أحيل أحد كبار كتابنا إلى المعاش، ماذا يقول عنا الناس فى الخارج؟ ولم يفصل توفيق الحكيم، ودافع عنه الرئيس عبد الناصر فى لفتة تحمل معنى أكبر وأشمل من النظرة الضيقة لوزير التعليم.

وبسبب حملة التطهير تلك، خسرت مصر العديد من المثقفين وأساتذة الجامعات والأكاديميين، بدعوى أنهم رجعيون، وموالون للنظام الملكى، وتم استبدالهم بآخرين من أهل الثقة ليحتلوا المناصب العليا فى الجامعات والمؤسسات الثقافية الرسمية. وبدأت مرحلة جديدة من مراحل العمل، تبتعد عن الاستعانة بالكفاءات، وتقترب من ذوى الحظوة والمقربين، وهو ما أسهم إلى حد كبير، فى حدوث انحدار هائل فى جميع الميادين، ومنها الميدان الثقافى.

يذكر الراحل الدكتور عبد الرحمن بدوى فى كتابه «سيرة حياتى» أن المناصب الإدارية الرفيعة داخل الجامعات، مثل مدير جامعة، ووكيل جامعة، وعميد الكلية، وغير ذلك صارت خلال الحقبة الناصرية وقفاً على عملاء المخابرات والموالين للنظام.

وما زالت تلك السياسة مستمرة حتى وقتنا هذا لم يتغير فيها شىء، فلا يمكن تعيين أى مواطن فى أى منصب ابتداء من الساعى والخفير، حتى وكيل الوزارة، في كل مناصب الدولة العلمية أو الإدارية أو القضائية أو السياسية، ولا يتم ذلك إلا بعد موافقة الأجهزة الأمنية، دون أن يكون لذلك سند من القانون. ولكن جمال عبد الناصر الذى رفض أن يفصل توفيق الحكيم من وظيفته وضع الكاتب الإسلامى والمفكر المعروف محمود شاكر فى السجن، وفصل الأديب يحيى حقى من وظيفته فى أكتوبر 1958 .

وفى تلك الفترة فصل الكاتب المعروف يحيى حقى من وظيفته كسفير فى وزارة الخارجية بسبب أن زوجته ليست مصرية. كان يحيى حقى صديقا للدكتور أحمد حسن الباقورى وزير الأوقاف، والكاتب الإسلامى محمود شاكر. لأجل ذلك توسط الشيخ أحمد حسن الباقورى لدى وزير الخارجية لإلحاق صديقه يحيى حقى بوظيفة مناسبة فى وزارة الخارجية بدلاً من طرده خارجها، بسبب أن زوجته غير مصرية.