رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضحايا ومجرمون فى مأساة مركب رشيد


إنها مأساة بكل معنى الكلمة عاشها المجتمع المصرى مؤخراً، أن يبتلع البحر شباباً كانوا يبحثون عن فرصة عمل سهلة فى خارج وطنهم، وبطريقة غير شرعية.

إنها مأسأة فاجأت المجتمع المصرى بسبب غرق عدد كبير وصل حتى أمس الأول إلى ١٦٢ ضحية أمام سواحل مدينة رشيد، تَرَكُوا بلدهم سعياً وراء وهم العمل والثراء فى بلاد أخرى.

هؤلاء الشباب لابد أن نحاسب من أرسلوهم ممن وضعوهم فى مركب الموت الذى لاتتسع لعددهم.

لابد أن نحاسب سماسرة الموت الذين باعوا لهم الوهم الزائف بالثراء السريع وبحياة رغدة فى بلاد أخرى، ورسموا لهم صورة خيالية وردية بعيدة تماماً عن الحقيقة التى سيواجهونها هناك.

ان هؤلاء الضحايا من شباب ليس لديهم الوعى الكافى بمصاعب الحياة التى سيواجهونها فى الخارج، فذهبوا وراء الوهم الزائف وابتلعهم البحر وتركوا وراءهم أسراً تبكيهم، وبعض هذه الأسر لا تعلم أن ابنها خرج بطريقة غير شرعية، والبعض الآخر باع مصاغ زوجته أو اقترض ليقبض سماسرة الموت ثمن سفرهم، وثمن موت أبنائهم.

إن إعلامنا للأسف لم يتنبه إلى ضرورة التنبيه إلى تبعات الهجرة غير الشرعية إلى دولة أوروبية، حيث يواجه الشباب فى الخارج أعمال سخرة بلا حقوق أو قوانين تحميهم أو فرص عمل تكفى أعدادهم، وإذا ما بحثنا ودققنا النظر فسنجدهم يواجهون المجهول والاغتراب لسنوات داخل مجتمعات غربية بدأت تخطط لتشديد القوانين فى مواجهة المهاجرين غير الشرعيين واللاجئين الذين يدقون أبوابهم.

إن هذا الحادث الأليم والمحزن ليس الأول من نوعه، فلقد تكرر مسلسل الهجرة غير الشرعية، ولابد من تغليظ العقوبة على كل من تسببوا فى هذه الجريمة النكراء حتى لا تتكرر مرة أخرى، ولابد من تشديد الرقابة على السفر والخروج من سواحل البلاد واتخاذ إجراءات صارمة تجعل الخروج صعباً، ولا يتم إلا بأوراق رسمية ضماناً لحفظ حقوق المصرى فى الخارج وعدم تعرضه لإهانة بسبب خروجه بشكل غير قانونى، وللأسف فإن سماسرة الموت الذين يتاجرون فى الهجرة غير الشرعية، لا يواجهون أى قوانين رادعة، حيث توجه لهم تهمة النصب، وهى جنحة فقط وعقوباتها لا تتعدى ٣ سنوات.

وحتى لا يتكرر مسلسل الموت غرقاً لشباب يبحث عن فرصة عمل، ويتم استغلال قلة وعيه وجهله بمخاطر الهجرة غير الشرعية، لابد من عدة إجراءات من الدولة المصرية، منها ضرورة نشر الوعى لدى البسطاء بمخاطر الهجرة غير الشرعية، حتى لا يقعوا فريسة لسماسرة الموت وتجارة الوهم الزائف، وحتى يفكروا قبل أن يسافروا نحو المجهول بأوراق مزيفة لا تضمن لهم فرصة عمل مناسبة أو كرامة، بل قد يجدون أنفسهم يعيشون على هامش المجتمع فى الخارج بلا حقوق وبلا كرامة، وقد يواجهون تهما تؤدى بهم للسجن أو للطرد من تلك الدولة إن وصلوا إليها.

إن الاستعانة برأى خبراء القانون ضرورة لتغيير القوانين للتصدى لظاهرة الهجرة غير الشرعية والمتكررة، ولابد أن تقوم الدولة بدورها فى التوعية فى القرى والنجوع المعروفة بالهجرة غير الشرعية حتى يعى الأهالى من البسطاء خطورة ما هم بصدده.

إن مشكلتنا فى مصر إننا لابد أن نعمل على تغيير العقليات التى لاتزال تبحث عن فرصة عمل فى الحكومة، ولابد أن ننشر مفهوم أن العمل شرف مادام شريفاً، وأن تعمل الدولة على غرس الثقة بين الشباب بأنها تكترث بهم، وبأن تفتح لهم فرص عمل وبمساعدة القطاع الخاص على الاستثمار وفتح مشروعات جديدة فى الصناعة والإنتاج والتجارة، وتأهيل الشباب بالتدريب على المهن الحرة وتشجيعهم على العمل الحر، وعلى المشروعات الصغيرة حتى يجدوا فرص عمل متاحة أمامهم.

الاشكالية التى نواجهها الآن أن الدولة لا تستطيع بمفردها توظيف عشرات الآلاف من الشباب العاطل الذى يتخرج من الجامعات كل عام، وفى الوقت نفسه تضع الصعاب والعراقيل أمام القطاع الخاص فى الاستثمار وإقامة المشروعات الجديدة، وهناك إحساس لدى رجال الأعمال بأن الدولة لا تسهل العمل للقطاع الخاص الشريف، ولا تكترث بشكواهم ولا بالحالة الاقتصادية المتأزمة، وهى شكوى يعلو صوتها ولا أحد من المسئولين يستمع اليهم، إن الحالة الاقتصادية الراهنة تتطلب لقاءات بين الحكومة ورجال الأعمال لدفع حركة الإنتاج والتنمية وتذليل العقبات والسماع لشكوى رجال الأعمال الشرفاء والوطنيين بما يتيح فرص عمل كافية لعشرات الآلاف من الخريجين الذين يبحثون عن فرصة عمل كل عام، بالإضافة إلى انتشار الآراء السوداوية فى الإعلام والمواقع العديدة وفيس بوك، ومرتزقه التدمير والخراب الذين انتشروا لنشر الاكتئاب واليأس بين صفوف الشباب والذين يسعون بشكل متصاعد إلى إغلاق أبواب الأمل أمام الشباب فى حياة أفضل فى بلدهم.

إن الحكومة مطالبة بالاهتمام بالتواصل مع الشباب وبحث أوجاعهم ومشاكلهم وحلول جذرية للهجرة غير الشرعية، حتى لا تتكرر مأساة مركب الموت على سواحل رشيد، أو على أى من سواحلنا مرة أخرى.