رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد القيمة المُضافة:‏

الانهيار التشريعي يهدد البرلمان.. صكوك الموافقة تحيط قوانين الحكومة الخمسة المثيرة ‏للجدل.. وخبراء يحذرون: "تعصف بالمجلس قريبًا"

جريدة الدستور

ضاربًا بالغضب الشعبي عرض الحائط، وغالقًا أذنيه عن كل الانتقادات المُوجه إليه، أعطى موكب البرلمان منذ بدأ جلساته صكوك الموافقة والغفران لكل قانون سمعته سيئة، فلا هو يشرع قوانين ‏جديدة تحمي حقوق المواطن، ولا يرفض أي قانون يثير الجدل وغضب الرأي العام.‏

شهد مجلس النواب منذ يناير الماضي وحتى الآن، سيل لا يتوقف من الموافقات أغدقه النواب على ‏القوانين الجدلية التي هزت عرشه، وتحديدًا تلك التي تمس جيوب المواطنين، وأصدرها الرئيس عبدالفتاح السيسي أو الحكومة.

"القيمة المضافة"‏
يُعد مشروع القيمة المُضافة، أحد القوانين التي صاحبها موجات كبيرة من الجدل، فهو مشروع تقدم به عمرو الجارحي وزير المالية، لتحديد سعر الضريبة على القيمة المضافة بـ13% بدلًا من ‏‏14%، كما اقترحت الحكومة بمشروعها خلال العام المالي الحالى 2016-2017، على أن يتم زيادتها ‏إلى 14% العام المالي القادم 2017-2018، وأن يتم توجيه الـ1% الزيادة إلى برامج الحماية الاجتماعية.‏

ولقى المشروع غضب الرأي العام، بسبب أنه يؤثر بشكل مباشر على المواطنين على اختلاف مستويات ‏دخولهم، لأنها ضريبة على استهلاك السلع والخدمات، تُحمل بشكل غير مباشر للمستهلك النهائي، وتُفرض ‏على السلعة في مختلف مراحل إنتاجها.

وعلى النقيض، أعطى البرلمان بالأمس صك الموافقة للقانون، بعدما لقى ترحيبًا من الأغلبية المؤيدة دائمًا، ‏وتم التصويت على النسبة التي اقترحها الوزير، ليصبح سعر الضريبة بالمادة رقم 3 من مشروع القانون ‏‏13%.‏

‏"الخدمة المدنية"‏
ورغم دخول الحكومة في صراعات وحروب مع النقابات العامة والمستقلة؛ بسبب إقرار قانون الخدمة ‏المدنية رقم 18 لسنة 2015، في مارس الماضي، صاحبها سلسلة من الوقفات الإحتجاجية للمطالبة بإسقاط ‏القانون ورفضه، إلا أن مجلس النواب كان له رأي مُغاير للغضب الشعبي.‏

البداية كانت عند رفض البرلمان للقانون في يونيو الماضي بأغلبية 332 صوتًا، في محاولة لتهدئة النقابات، ولكنه قرر رفعه مرة أخرى إلى الوزارات المعنية لتعديله وعرضه على ‏مجلس النواب من جديد، ألا أن الرفض البرلماني الأوليّ للقانون آثار حفيظة الرئيس السيسي ‏الذي أكد أن الشعب لا بد أن يضحي من أجل الوطن.‏

وطرأت التعديلات على القانون من قبل الوزارت المعنية، شملت الدرجات الوظيفية، وإمكانية ترقية أي ‏من الموظفين المحالين إلى المحاكمة حال ثبتت تبرئته، والجزاءات التأديبية التي كانت في السابق تقتصر ‏على الإنذار والخصم والوقف عن العمل.‏

ورغم ذلك الجهد المُضني لتعديل القانون، رفضته النقابات المُستقلة بعد ذلك، وقامت تنسيقية التضامن ‏الرافضة له، بتظاهرات تهدد الحكومة والبرلمان حال الموافقة عليه، إلا أنه البرلمان وافق عليه في آواخر ‏يوليو الماضي من حيث المبدأ، وتم إرساله إلى مجلس الدولة لمراجعته تمهيدًا لتصديق الرئاسة عليه.‏

‏"مكافحة الإرهاب"‏
ومنذ تصديق الرئيس السيسي على قانون العدالة الاجتماعية، منتصف أغسطس الماضي، وهو ‏محط انتقاد الكثيرون، لاسيما البنود الخاصة بقانون مكافحة الإرهاب الذي يندرج تحته، فطالت اعتراضات ‏القوى السياسية آنذاك وبعض نواب البرلمان مواد عدة شملها القانون.‏

كان على رأسها، المادة رقم 8 من القانون التي نصت على: "لا يُسأل جنائيًا القائمون على تنفيذ أحكام هذا ‏القانون إذا استعملوا القوة ﻷداء واجباتهم، أو لحماية أنفسهم من خطر مُحدق يوشك أن يقع على النفس أو ‏اﻷموال، وذلك كله متى كان استخدامهم لهذا الحق ضروريًا وبالقدر الكافي لدفع الخطر"، وهي المادة التي تتيح ‏للضباط قتل أي فرد بدعوى حماية أنفسهم.‏

‏كذلك فإن اللغط أثير حول المادة 33 والتي تنص على: "يعاقب بالحبس الذي لا تقل مدته عن سنتين، كل ‏من تعمد نشر أخبار أو بيانات غير حقيقية عن أي عمليات إرهابية بما يخالف البيانات الرسمية الصادرة ‏عن الجهات المعنية، وذلك دون إخلال بالعقوبات التأديبية المقررة في هذا الشأن‎"‎، وأكدت نقابة الصحفيين وقتها ‏أن هذه المادة تتعارض مع المادة 71 من الدستور.‏‎

ألا أن المجلس مرر القانون، وتم الموافقة عليه بأغلبية ثلثي أعضاء البرلمان، حيث وافق عليه 439 ‏عضوًا من عدد الحضور الـ466.

‏"الضريبة العقارية"‏
وقوبل قانون الضريبة العقارية، الذي أصدره الرئيس السيسي في إبريل الماضي، باستياء كبير بين ‏المختصين لأنه لم يأخذ بالملاحظات التي اقترحها قسم التشريع بمجلس الدولة، ويعفي القانون من الضريبة ‏أندية وفنادق القوات المسلحة ودور الأسلحة والمجمعات والمراكز الطبية والمستشفيات والعيادات ‏العسكرية، إلا أن مجلس النواب وافق عليه بموافقة 257 نائبًا، ورفض 156 أخرين، وامتناع 8 من إجمالي 421 ‏صوتًا.‏

‏"ضريبة على الدخل"‏
ورغم أن قانون الضريبة على الدخل، الذي تم إصداره عام 2015 من الرئيس السيسي، ‏بفرض ضريبة إضافية مؤقتة على الدخل يمس دخل الأسر المصرية مباشرة، ألا أن المجلس وافق عليه بأغلبية 383 صوتًا.‏‎

"قوانين السيسي تهدد البرلمان"‏
المنح والموافقات المتتالية التي يهبها النواب إلى قوانين الرئيس والحكومة باتت تهدد البرلمان، بفقد ‏المواطن للثقة فيه وحدوث انهيار تشريعي وسياسي للسلطة التشريعية، هو ما حذر منه خبراء القانون ‏والسياسة في تصريحاتهم لـ"الدستور".‏

‏"انهيار تشريعي"‏
الدكتور أحمد مهران،‎ ‎أستاذ القانون العام ومدير مركز القاهرة للدراسات السياسية والقانونية، حذر من ‏الموافقات المتاليية التي يغدق بها النواب قوانين الرئيس وتمس بصورة مباشرة المواطن الفقير، دون ‏مناقشات أو دراسات حقيقية، وهي ما تدفع لفقد المواطن الثقة في المجلس وتهدد بانهيار تشريعي للبرلمان.‏

ولفت إلى أن المجلس لم يكن قادرًا على تشريع قانون واحد يمس مصالح المواطنين، أو على الأقل ‏الوقوف في وجه الحكومة ومسألتها، بعدما تحول إلى نواب للحكومة والرئاسة، وتفرغ من مضمونه ‏التشريعي، بحيث يشعر الجميع بأن مجلس النواب ليس له وجود وأن السلطة التنفيذية هي الحاكمة وهو ما ‏يهدد بانهيار سياسي أيضًا.‏

‎ ‎ولفت إلى أن المجلس استطاع الموافقة على 339 قانون خلال أسبوعين في مارس الماضي، وهو ما يدل ‏أن النواب يمررون القوانين دون مناقشات حقيقية، تخوفًا من رفض القوانين التي تصدرها الحكومة أو ‏مؤسسة الرئاسة، بغض النظر عن مصالح الشعب.‏

‏"تهديد المجلس"‏
ورفض الدكتور محمد نور فرحات، الفقيه الدستوري، الطريقة التي يناقش بها مجلس النواب القرارات ‏بقوانين، مؤكدًا أنها تمثل تهديد للمجلس؛ لأن المادة 177 من لائحة المجلس تشترط أن تكون مناقشة ‏القرارات بالقوانين التي يصدرها الرئيس بنفس إجراءات مناقشة المشروعات بالقوانين التي تقدم للمجلس ‏في الأوقات العادية‎، وهو ما لم يحدث.

‏"مصالح الشعب"‏
ومن جانبه، أوضح الدكتور أحمد دراج، أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة، أن مجلس النواب حتى ‏الآن لم يمارس ‏دوره التشريعي، في الخروج بقوانين تمس مصالح الشعب المصري، وإنما اكتفى بالعمل ‏لصالح الحكومة ‏والقوانين التي تفصلها ويقرها المجلس، الأمر الذي خلط بين ما هو تنفيذي وتشريعي.‏‎

وأضاف: "عين المجلس ليست على مصالح الشعب، لأنه فضل في مجمله ومن البداية التعاقد مع ‏الحكومة ‏على حساب المواطن، بتمرير برنامجها والموافقة على أغلب القوانين التي يقدمها الرئيس ‏والحكومة، في ‏الوقت الذي لم يخرج فيه المجلس بقانون تشريعي واحد يصب في صالح المواطن".‏