رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

صورة اليوم.. "داريا".. عندما يتجسد العمر في "قبلة الجدار"

جريدة الدستور

يودع الفلسطينيون ديارهم عند التهجير محتفظين بمفاتيحها على أمل العودة إليها يومًا ما، هاربين من عدوٍ صهيونيٍ يريد الاستيلاء على أراضيهم واستيطانها، إلا أن الأمر اختلف هذه المرة، حيث يودع السوريون مسقط رأسهم في "داريا"، هربًا من جحيم الحرب.

وكما يودع المفارق حبيبته بقبلة، طبع ذلك الشاب تلك القُبلة على جدار بـ"داريا" السورية، إحدى أقدم المدن وأعرقها، مسجلًا لحظة لن ينساها، عالمًا أنه لن يجد المدينة بنفس ملامحها إذا قدرت له العودة.

لكن الفرق بين هذا الشاب ونظيره الفلسطيني أنه لا يعرف أسباب تهجيره من بلده التي تعقدت صراعاتها بشكل يصعب على أمهر المحللين السياسيين تفسيره. في لحظة تجسد معنى التيه.

255 ألف نسمة هو عدد تقريبي لمن يسكنون "داريا" القريبة بشكل كبير من العاصمة دمشق؛ ولذلك كانت من أوائل المدن التي انتفضت ضد النظام السوري عام 2011 وأيضًا أولى المجازر ارتكبت هناك، لتستسلم المدينة بعد صراعٍ دام لنحو خمس سنوات دُكت فيه المدينة -الذي يعني اسمها الدور الكثيرة- دكًا وبقيت حطامًا.

وبدأت أمس الجمعة، أولى مراحل إجلاء المدنيين ومقاتلي المعارضة من المدينة، في الذكرى الرابعة لـ"مجزرة درايا" والتي راح ضحيتها نحو 500 مدني، حينما قصفت قوات النظام المدينة بقذائف الهاون واحتمى المدنيون بأحد المساجد فحاصرهم الجيش السوري واستمر في قصفهم، وغادر نحو 600 مدني و400 مقاتل وأسرهم، المدنيين باتجاه مناطق تخضع لسيطرة النظام في ريف دمشق والمقاتلين باتجاه مناطق تحت سيطرة المعارضة في ريف حماة.

ومن المقرر أن تخلو المدينة من معارضيها ومدنييها بشكلٍ كامل السبت القادم حسبما ذكرت وكالة "سانا" الرسمية السورية.

وفي الوقت الذي اعتبر النظام السوري دخول داريا انتصارا له والتقط جنوده صورًا لأنفسهم محتفلين، رأى أهلوها المعارضون أن التاريخ سيسجل خذلان المجتمع الدولي لهم وموافقته على التهجير القسري والذي يعد جريمة ضد الإنسانية.

وجاء استسلام "داريا" بعد نحو 100 يوم من قصفٍ متواصلٍ بالبراميل المتفجرة تزامن مع حصار وتجويع وعزل كامل للمدينة عن بقية أنحاء سوريا، ليقدم النظام وعودًا للمدنيين بالخروج منها آمنين وبالعودة إليها بعد إعادة إحيائها، وعلى الرغم من عدم ثقتهم بتلك الوعود إلا أن المغادرة كان الخيار الأوحد بالنسبة إليهم.

"تهجير المدنيين من داريا" لن يكون هو الأخير بل ربما هو البداية لسلسلة إخلاءات في بلد يبدو أن رئيسها أقسم على عبارة "إما أن أحكمكم وإما أن أقتلكم" ولا يهم من يتبقى من المواطنين طالما أنه هو الحاكم وأن من تبقى هم المؤيدون له.