رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

رياض أفندى والخواجة بيلا.. الصورة الأكبر


ظهرت أول آلة تصوير عام 1839 بفضل «جاك مانديه داجير» الفرنسى، وبعد شهور قلائل جلس محمد على باشا فى 7 نوفمبر داخل قصره بالإسكندرية ليلتقطوا له أول صورة فوتوغرافية فى تاريخ مصر...

... عندما رأى الباشا الصورة صاح بذهول: «هذا اختراع شيطانى»! وقرر نشر هذا الفن الجديد فى مصر، لكنه لم ينتشر بسلاسة، فقد واجهته عاصفة من هجمات رجعية لتحريمه بدعوى أن التصوير «وثنية»...إلا أن الشيخ محمد رشيد رضا تصدى لذلك التيار على صفحات مجلة المنار مؤكداً أن عبادة الصور حرام، أما التصوير بحد ذاته فأمر نافع للبشرية فى مجالات الطب والتشريح وغيرهما، وأفتى الإمام محمد عبده بمثل ذلك حين كتب عام 1902 عن الصور والتماثيل يقول: «إذا كان القصد منها تصوير هيئات البشر فى انفعالاتهم النفسية وأوضاعهم الجسمانية فهل هذا حرام؟» ودخل الشيخ محمد بخيت مفتى الديار حينذاك المعركة وأباح التصوير فى كتاب ألفه خصيصاً بعنوان «الجواب الشافى فى إباحة التصوير الفوتوغرافى»، وبين فيه أن التصوير مجرد: «احتباس ظل»، مثلما يحدث حين يقف شخص أمام مرآة ويتم احتباس ظله فيها بينما يروح الشخص ويجىء فى مكان آخر حراً. ولم تمنع زوبعة التخلف الفكرى انتشار التصوير. وبعد نحو أربعين عاماً من ظهور الكاميرا هاجر إلى مصر رجل مجرى دقيق الجسم، لطيف المعشر، اسمه «بيلا» وأنشأ عام 1890 أول استوديو للتصوير الفوتوغرافى فى مصر. عرفه الناس باسم «الخواجة بيلا» وكان مندوب العائلة المالكة يأتى إليه من قصر عابدين ليدعوه إلى تصوير أفراد العائلة فى القصر. فيما بعد باع الخواجة «بيلا» الاستوديو إلى فهمى باشا هيبة بشرط ألا يغير نظام العمل فيه، فظل الاستديو باسم «بيلا». وبرز شخص آخر هو «رياض أفندى شحاتة» الذى اتخذ محلاً له بشارع الفجالة، وكتب أول مرجع فى التصوير نشرته دار المعارف عام 1910، وأصبح مصور الملك فؤاد والملك فاروق الشخصى. هكذا شقت الفوتوغرافيا طريقها بفضل محبى الفن مثل رياض أفندى شحاتة والخواجة «بيلا» المجرى، ومن قبلهما كوكبة كبيرة من العلماء أسهموا على امتداد تاريخ طويل فى تطوير مباديء التصوير والعدسات والبصريات وصولاً إلى الكاميرا. وكان الحسن بن الهيثم «965م- 1040م» عالم البصريات الفذ أول من وصف الكاميرا وقدم وصفاً واضحاً للغرفة «كاميرا» المظلمة والغرفة ذات الثقب فى كتابه «المناظر»، وتكريماً لدوره فى العلم أطلق اسمه عام 1999على أحد الكويكبات المكتشفة حديثاً. بعد نحو خمسمائة عام من اكتشاف ابن الهيثم توصل «ليونارد دافنشى» إلى الاكتشاف ذاته عام 1490، وأشار إلى الغرفة المغلقة «الكاميرا». إلا أن تأريخ بداية التصوير ينطلق من عام 1839 حين ظهرت بشكل تجارى أول كاميرا على يد الفرنسى «جاك مانديه داجير»، ولهذا يحتفل العالم هذه الأيام بمرور 177 عاماً على ظهور التصوير. وسنجد فى قصة «الكاميرا» جوانب كثيرة جديرة بالتأمل، لكن أهم تلك النواحى هو تلاحم التعاون الإنسانى من أجل الحقيقة، والمعرفة، التلاحم الذى يمد أياديه لبعضه البعض من أدنى نقطة فى كوكبنا إلى أبعد نقطة، ليظهر لنا أن البشرية تتقدم معاً، كتفاً بكتف: رياض أفندى المصرى مع الخواجة « بيلا « المجري، الحسن بن الهيثم العربى مع ليونارد دافنشى الإيطالى، «جوهان تزان» الألمانى الذى ابتكر نظام الصورة مع «هنريك لامبرت» السويسرى. تحتشد البشرية كلها وراء كل حقيقة، ومعرفة، من دون تمييز بين أديان أو أجناس أو أعراق، كتفاً بكتف، وتمضى إلى الأمام. ومن لم يكن بوسعه أن يدفع العلم إلى الأمام فقد دفع عنه الظلام كما فعل الشيخ بخيت بكتابه الشيق «الجواب الشافى فى إباحة التصوير الفوتوغرافي». تحية لرياض أفندى وللخواجة «بيلا» ولكل من يسيرون معاً نحو نورالعلوم والفنون. هذا التلاحم هو الصورة الأكبر والأجمل التى التقطتها الكاميرا للبشرية وهى تشق طريقها بنشيد واحد وشغف مشترك.