رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

شبابنا.. حملة شعلة التنويـر


تصوروا.. حتى «قابيل» رفض أن يكون على ظهر البسيطة رجلاً ثانياً، فقتل أخاه «هابيل» حتى لا يوجد من ينافسه على حُب «الرب الإله»!، ويبدو أن الجينات الوراثية قد تركت آثارها داخل النفس البشرية الأمارة بالسوء إلى يومنا هذا خاصة فى عالمنا العربى 

 وبالتحديد منذ عهد ملوك الفراعين الأوائل الذين كانوا يطمسون كل معالم من سبقوهم من الملوك الحكام من فوق جدران المعابد، ووصل بهم الأمر إلى نبش قبورهم لإزالة كل آثارهم، ليكون المتربع على العرش هو من له التبعية والولاء والتسبيح بحمده وجبروته. وصحيح أنه قياسٌ مع الفارق لما يحدث فى أيامنا بما نراه من المنافسات الضارية فى كل مناحى الحياة العملية ، ليكون الولاء والتبعية تجاه «رب العمل» أو «رب المال»، فيعمل من فى الصدارة على قمع كل من يليه،ويرى فيه تطلعًا وأملاً فى الوصول إلى سدرة المنتهى ليقترب من باب الحاكم ليحظى برضاه والتمرغ فى منَحِه وعطاياه، وتحقيقًا للمقولة التى اخترعوها: إن من يأكل من عيش السلطان فإن عليه أن يضرب بسيفه!!

والأمر الغريب فى بلدنا أننا لا نعمل جادين على خلق وتعضيد وتنمية القدرات للصف الثانى والثالث من الكوادر التى لا غنى عنها فى مجال الحياة العملية والسياسية والثقافية، هذه المجالات التى تعتبر قاطرة التقدم والرقى فى حياة الشعوب، فالعمل على خلق الكوادر الشابة المدربة على العمل الميدانى وسط الجماهير فى الأحزاب السياسية تضمن لنا فى المستقبل قيادات واعية تتيح لنا الاطمئنان إلى مستقبل الساسة والسياسيين الذين سيضطلعون بمهام تسيير وتيسير العمل السياسى الواعى بمقدرات مصرنا الحبيبة ، لتكون علميًا وعمليًا وواقعيًا: أم الدنيا وسيدة كل العصور، لأنهم الطليعة التى سيكون منهم الشعراء والأدباء والمديرون والوزراء وحاملو مشعل الثقافة والتنوير فى مجتمعنا الذى يحتاج إلى كل بقعة ضوء تنير الطريق إلى الغد المشرق بكل النجاحات.

وهذا لن يتأتى إلا بالتشجيع المستمر الدءوب لهؤلاء الشبيبة، وطبقًا لاستراتيجية مدروسة تتيح ظهور كوادر جديدة فى المصانع والشركات والجامعات والمدارس التى تحتاج إلى طاقة وحيوية الملايين من هؤلاء الشباب، ممن ينتظرون دورهم فى تحقيق أمانيهم المشروعة فى الحياة والاستقرار، ولكنهم للأسف يواجهون حوائط الصد واللامبالاة من المسئولين المنوط بهم ـ شكلاًـ رسم السياسات لاستيعاب طاقات الشباب فى كل الشئون الحياتية التى تحتاجها بلادنا فى هذه المرحلة من تاريخها، ولكن كما قلنا فإن الجينات الوراثية الكامنة ، تعمل بدورها على تمديد احتكار كل مسئول فى منصبه لايتركه إلا بنهاية أنفاسه فى هذه الحياة.

والغريب أيضًا أنه يوجد لدينا «مراكز ومعاهد لإعداد القادة» فى كل الوزارات والمصالح الحكومية والجامعات، وبرغم ما يدرس فيها من مناهج تعمل على تشكيل الشخصية القيادية إلى حدٍ كبير، إلا أن أغلبيتهم يصطدمون بالواقع المُر الذى يحولهم إلى حملة مباخر لعروش السادة أرباب الأعمال والأموال، ضاربين بما تم إعدادهم له عرض الحائط، دون استفادة حقيقية تعود بالنفع على المجتمع والدولة والاقتصاد الوطنى، حتى إذا مابزغ نجم أحدهم بينهم وصار نابغة فى تخصصه فإنهم يسارعون بالدفع به إلى البلاد البترودولارية ابتغاء وجه المال لا مصلحة الوطن، ودون أن يسدد ماعليه من ديون تعليمه داخل بلده والوفاء بضريبة الوطن الذى منحه العلم والمعرفة، وفى بعض الأحايين للتخلص منه لأنه «مشروع منافس» لمن يريد احتكار المكان إلى الأبد، وفى كل الأحوال تخسر الدولة جهد وطاقة الشباب فى مقتبل حياته العملية إما بالتجاهل أو بالهجرة إلى الخارج، وعملاً بمبدأ أن فاقد الشىء لا يعطيه فإن إحساس الفرد أنه غير مكرَّم فى وطنه يدفعه إلى ممارسة ما عانى منه فى مقتبل حياته، لتستمر دورة الجينات الوراثية متغلغلة وتغذى شرايين النفس الأمارة بالسوء ليظل الحال كما عليه هكذا دواليك، طالما أنه ليست هناك دراسات جدوى جادة على المديين القصير والطويل لدعم وتفريخ الصفوف المتتالية من الكوادر التى تعمل بأمانه حبًا فى رفعة الوطن وتنمية اقتصاده الذى يعود بالمنفعة على كل من يعيش على أرض الوطن. وعندئذ ٍ سيكون التقدير والرفعة والمكانة لقيمة العلم والعلماء الأكفـَـاء ، وليس بالتبعية لذوى النفوذ والسلطان وأرباب المال والأعمال وأرباب المصالح الوقتية الذين ينظرون تحت أقدامهم، دون اعتبار لمستقبل ومصلحة الأمة وللأرض التى منحتنا حق الحياة الحُرة على ترابها. ولكل هذه الأسباب مجتمعة، الأمر الذى حدا بالرئيس السيسى أن يكون حريصًا باستمرار، على اللقاءات المستمرة بالتجمعات الشبابية فى مختلف الأماكن، خاصة مراكز إعداد القادة، والتحدث إليهم بلغة الأب الموجه والمعلم، مع تسجيل تلك اللقاءات الحميمية فى الصور التذكارية، لتكون حافزًا على مواصلة العمل الجاد والدؤوب فى كل المجالات، ومنح الفرص الكاملة للنابغين منهم، بتوفير المناخ المناسب للابتكار والخلق خاصة فى مجال العلوم التكنولوجية، لإيمانه بأنهم شعلة التنوير لتحقيق المستقبل الأفضل للأجيال القادمة.

هلاَّ بدأنا فى تحقيق هذا المطلب المشروع منذ تلك اللحظات الفارقة فى حياة مصرنا الغالية، وفى ظل قيادتها التى تسعى إلى استعادة مكانتها وعزتها بين الأمم والشعوب المتحضرة.. فلنبـدأ الآن الآن وليس غدًا.