رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"غول الضرائب يطارد بيزنس الفقراء".. الحكومة تضع عينها على مليارات اقتصاد "بير السلم".. وخبراء يحذرون: الجباية سيف على رقاب الغلابة

جريدة الدستور

"فتش في دفاترك القديمة".. شعارًا أتخذت منه حكومة المهندس شريف إسماعيل نهجًا جديدًا لها في مواجهة الأزمات المتلاحقة، في إطار برنامج اقتصادي وافق عليه مبدئيا صندوق النقد الدولي قبل أيام لإقراض البلاد 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، كان آخرها مساعي الحكومة لإدخال المشروعات التى تعمل فى الاقتصاد غير الرسمى تحت مظلة الاقتصاد الرسمى.

ضريبة جديدة
واستكمالًا لسلسلة الضرائب التي فرضتها الحكومة على مدار الأشهر الماضية، شرعت وزارة المالية علي إعداد مشروع قانون للمحاسبة الضريبية للمشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، تسعي من خلاله إلي تشجيع المشروعات التى تعمل فى الاقتصاد غير الرسمى إلى الانضمام إلى الاقتصاد الرسمى.

وكشف عمرو المنير، نائب وزير المالية للسياسات الضريبية، أن مشروع القانون يهدف إلي إخضاع الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر، إلي مظلة قانونية بعيدًا عن قانون القيمة المضافة، لذا قامت الحكومة بإعداد مشروع خاص بهم بهدف جذبهم إلى الاقتصاد الرسمى على أن تتاح لهم مزايا المختلفة من تأمينات، وجود سجل ضريبى وغيرها من الأمور.

وبموجب مشروع القانون المقترح تقسم الضريبة الجديدة على فئتين الأولى المشروعات المتناهية الصغر، وستكون مبلغًا مقطوعًا أو ثابتا، بينما المنشأة الصغيرة ستتم محاسبتها ضريبياً على أساس تسديد نسبة مقترحة من رقم الأعمال، لم يتم تحديدها بعد.

ما هو الاقتصاد الموازي؟

الاقتصاد غير الرسمي أو الموازي مسميات عدة أطلقت علي آلالاف المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، تشمل أنشطة مشروعة، ولكن لا يلتزم أصحابها باستخراج التراخيص اللازمة، ولا يمسك بدفاتر محاسبية تجعله تحت طائلة التحصيل الضريبي.

وعادة ما ينتشر الاقتصاد الموازي في الدول النامية، من بينها مصر، والذي ينظر إليه دومًا بإعتباره أحد مصادر المال السائب التي لا تخضع لضابط ولا رابط، لذا سعت الحكومات المتعاقبة في أوقات الأزمات الإقتصادية إلي الإستفادة منه بإعتباره حائط صد لإنقاذ الإقتصاد الوطني من عثراته، من خلال طرق شتي لتحويل هذا القطاع إلى الاقتصاد الرسمي، لكي يضاف إلى قاعدة البيانات الخاصة بالحسابات القومية، وتوفير مناخ أفضل للعاملين فيه.

وعلى وقع الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تمر بها الدولة طيلة الخمس سنوات الماضية، اغلقت علي إثرها آلاف المصانع، وساء من القطاع الحكومي أو الخاص، إضافة إلي تراجع معدلات النمو الإقتصادي لما دون ال5%، وزيادة حجم البطالة لتصل إلي 12.4% وفقًا لأحدث الإحصاءات الرسمية.

وفي خضم الأزمة تلك، تعالت الأصوات داخل أروقة الحكومة مطالبة بدمج القطاع الاقتصادي غير الرسمي، والذى يتمثل فى ورش ومصانع بير السلم، التي تستقطب عشرات الآلاف من العمالة بمختلف القطاعات والأنشطة، وتترواح نسبتها، بحسب الإحصاءات الأخيرة، أكثر من80%، مع الاقتصاد الرسمى والاستفادة من أرباحه مما سيسهم بشكل كبير فى إعادة قوة الاقتصاد مرة أخرى.

وفي ظل غياب التقديرات الرسمية لحجم الإقتصاد الموزاي، تعددت وتضاربت التقديرات غير الرسمية له، حيث كشفت إحصائية أجراها الاقتصادى الشهير فرناندو دوستو، أن حجم النشاط الإقتصادي الموازي يقترب من 395 مليار دولار، أي ما يعادل 2.6 تريليون جنيه مصري، فيما تراج حجمه إلي تريليون جنيه مصري فقط، وفقًا لأحدث الإحصاءات الصادرة عن اتحاد الصناعات المصرية.

حجم الإقتصاد الموازي

غير أن تقديرًا حديثًا كشفت عنه دراسة أعدها محمد البهى، عضو هيئة المكتب التنفيذى باتحاد الصناعات، يقدر حجم الإقتصاد غير الرسمي بحوالى 2.2 تريليون جنيه مصرى، ما تسبب فى ضياع 330 مليار جنيه قيمة الضرائب المهدرة على خزينة الدولة.

آراء الخبراء
بين صعوبة تفعيل الضريبة ، وضرورة إقرارها تباينت أراء خبراء الشأن الإقتصادي في تصريحاتهم لـ"الدستور"، حول مقترح فرض ضريبة علي المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر من غير الخاضعة للإقتصاد الرسمي.

الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الإقتصادي، رأي أن مقترح ضريبة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، تشريعا مكملا للضريبة علي القيمة المضافة، تهدف إلي إدماج المشروعات خارج الإقتصاد الرسمي في المنظومة الضريبية بما يسمح يتعظيم عوائد الضرائب خلال الفترة المقبلة.

وأضاف الدمرداش، أنه من غير المعقول أن تظل مليارات الجنيهات خارج سلطة ورقابة الدولة في إطار ما يعرف بإقتصاد بير السلم لا يسدد الضرائب المستحقة إلي خزينة الدولة، مقترحًا ان تبدأ الحكومة بفرض ضريبة لا تتجاوز نسبتها ال10% من حصيلة إيرادات الشركة او المشروع الصغير، بداية من تفعيل الضريبة ولمدة خمس سنوات، كنوع من التحفيز لها.

ولفت إلي أن الضرائب التجارية المقترح فرضها علي المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر لن تكون مبالغ فيها، بل ستناسب حجم أعمال والدخل العائد من تلك المشروعات،

وانتقد الدكتور رشاد عبده، رئيس المنتدي المصري للدراسات الإقتصادية و الإجتماعية،توسع الحكومة في فرض الضرائب، علي عقود الزواج والطلاق، والمرور، والعمل، وأخيرا المشروعات متناهية الصغر التي تغطي إيراداتها بالكاد نفقات أصحابها والعاملين فيها.

وأشار الخبير الإقتصادي إلي أن الحكومة تلجأ الي الحل الأيسر لحصد أكبر قدر من الإيرادات، من خلال فرض الضرائب حتي أصبحنا نعيش في عصر الجباية ، دون التفكير في طرح حلول خارج الصندوق وعملية للخروج من المأزق الإقتصادي الراهن، مضيفا:" لكن الحكومة عايزة تجيب فلوس من الهوا ومش ناقص غير انهم يفرضوا ضريبة علي انفاس المواطنين".

وأضاف أنه من الأجدي قبل التفكير في فرض ضريبة علي المشروعات الصغيرة، العمل علي وضع إطار ومفهوم محدد للمشروعات الصغيرة بالتنسيق مع وزارة الصناعة والصندوق الإجتماعي للتنمية، وغيرهما من الجهات المسئولة عن تلك المشروعات، وتقديم تسيرات مالية لأصحابها في صورة قروض ميسرة، إضافة إلي الإراشادات الفنية، ومساعدتهم علي الترويج لمنتجاتهم.

وأشار الي أن الكثيرين من أصحاب تلك المشروعات لن ينصاعوا لرغبة الحكومة في فرض الضريبة، لاسيما وأنهم يرون الدولة لم تقدم لهم اي مساعدة، بعد أن تخرجوا من الجامعات ولم يتاح لهم فرصة عمل مناسبة، ما إضطرهم إلي الإعتماد علي انفسهم بتمويل محدود في تنفيذ مشروعات بسيطة بالإشتراك مع أخرين في مثل ظروفهم.

وأردف: من غير المنطقي أن يقوم الشاب صاحب المشروع بعد كل ما سبق في الإتجاه نحو الإندماج في الإقتصاد الرسمي ليجد نفسه محاصر من مندوب التأمينات يطالبة بالتأمين علي موظفيه، ومحصل الضرائب يحاسبة علي حجم الإيرادات المتحصلة، ومفتش الصحة يفحص بضائعه.

وتابع: الحكومة اعتاد النظر تحت قدميها، وتسلط سيفها علي رقاب الفقراء لتدفعهم بالقوة نحو الثورة أعنف وأشد بطشًا عما كانت عليه في 25 يناير 2011، بدل من الإتجاه نحو تحصيل الضرائب من أباطرة الدروس الخصوصية والأطباء وغيرهم من الفئات ذات الدخل الأعلي ورغم لك يتهربون من سداد ما عليهم من مستحقات ضريبية.