رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"لوبي رجال الأعمال يهزم الدولة".. الضرائب تطحن عظام الفقراء و"الكبار"على رأسهم ريشة.. وخبراء:الحكومة تخشى الصدام مع الأغنياء وسياستها لم تحدث في عصور الاستعمار

جريدة الدستور

ضربات متتالية لم تتوان الحكومة عن توجيهها إلى المواطنين، تمثلت في سلسلة من مشروعات القوانين التي توسعت خلالها في فرض ضرائب جديدة على محدودي ومتوسطي الدخل، في غضون أشهر قليلة، في الوقت نفسه تراخت عن حسم مشروعات قوانين عدة تمس أثرياء الوطن.

ويأتي التوسع في فرض الضرائب ضمن جهود حثيثة تبذلها حكومة المهندس شريف إسماعيل، لزيادة الإيرادات العامة وخفض الإنفاق على الدعم والأجور، في إطار برنامج اقتصادي وافق عليه مبدئيا صندوق النقد الدولي قبل أيام لإقراض البلاد 12 مليار دولار على ثلاث سنوات، فتحت عليها نيران غضب الشارع المصري.

لكن المفارقة أنه ففي الوقت الذي تسعي فيه الحكومة للتوسع في فرض الضرائب علي عموم المواطنين من المنتمين للطبقات الدنيا، لم تصدر أية قرارات مماثلة تمس الأغنياء مثل الضريبة التصاعدية، والأرباح على البورصة، وغيره والتي نستعرض أبرزها في التقرير التالي..

"الضريبة التصاعدية"

ظل الحديث يتردد عن الضريبة التصاعدية بين أوساط الاقتصاديين من آن لآخر، ممن رأوا فيها مخرجا من الأزمة التي يعانيها الاقتصاد الوطني، لما ستوفره من عائد كبير، والتي لجأت العديد من الدول إلى فرضها كحل لمشكلة عدم المساواة بين طبقات المجتمع المختلفة.

الضريبة التصاعدية هي أداة وجدت في محاولة للحد من الضريبة على الأشخاص الذين يواجهون صعوبة في الدفع عن طريق فرض ضرائب أعلى على أصحاب الدخل المرتفع، هذا يعني أن على الشخص ذي معدل دخل سنوي يصل مثلا إلى 50,000 دولار أمريكي أن يدفع ضريبة أعلى من الشخص ذي معدل دخل سنوي يبلغ 30,000 دولار أمريكي.

ورغم ما توفره تلك الضريبة من إيرادات مرتفعة مع تطبيقها إلا أنها ظلت حبيسة إدراج الحكومة، التي فضلت التوسع في فرض ضرائب على المعدمين بينما تركت الأثرياء يزدادون ثراء دون أن تستفيد خزينة الدولة منهم شيئا.

" أرباح البورصة"

 الضريبة على الأرباح الرأسمالية على تعاملات البورصة كانت أحد الخيارات المطروحة من جانب الحكومة في عهد المهندس إبراهيم محلب، لزيادة إيرادات الدولة، وتحت وطأة ضغوط المضاربين في البورصة من المستثمرين ورجال الأعمال اضطرت الحكومة إلى تأجيل تنفيذ قرار فرض الضريبة في مايو قبل الماضي لمدة عامين.

وعللت الحكومة قرارها برغبتها في دعم مناخ الاستثمار والحفاظ على تنافسية البورصة المصرية، مع الأخذ في الاعتبار كافة الآثار المترتبة على الاقتصاد المصري ومناخ الاستثمار وقدرته على جذب الاستثمارات.

وفي المقابل أعدت حكومة المهندس شريف إسماعيل العديد من مشروعات القوانين الخاصة بفرض ضرائب جديدة علي المواطنين وصغار المستثمرين، كان آخرها ضريبة المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، والتي كشف عنها نائب وزير المالية للسياسات الضريبية عمرو المنير.

"ضريبة الشركات الصغيرة"

إذ تسعى وزارة المالية حاليًا لإعداد تشريع جديد خاص بالمحاسبة الضريبية للمشروعات الصغيرة يهدف إلى تشجيع المشروعات التي تعمل في الاقتصاد غير الرسمي إلى الانضمام إلى الاقتصاد الرسمي.

وتسعى الحكومة إلي إخضاع الشركات الصغيرة ومتناهية الصغر، إلي مظلة قانونية بخلاف قانون القيمة المضافة، لذا قامت بإعداد مشروع خاص بهم بهدف جذبهم إلى الاقتصاد الرسمي على أن تتاح لهم المزايا المختلفة من تأمينات، وجود سجل ضريبي وغيرها من الأمور.

وبموجب مشروع القانون المقترح تقسم الضريبة الجديدة علي فئتين الأولى المشروعات المتناهية الصغر، وستكون مبلغًا مقطوعًا أو ثابتا، بينما المنشأة الصغيرة ستتم محاسبتها ضريبيا على أساس تسديد نسبة من رقم الأعمال.

ولم يذكر النسب المقترحة للضريبة، وبموجب القوانين المعمول بها حاليا، يدفع الأفراد والشركات الذين يتجاوز دخلهم مائتي ألف جنيه (22.5 ألف دولار أميركي) سنويا ضريبة بنسبة 22.5%.

"القيمة المضافة"

ضريبة القيمة المضافة، واحدة من أبرز التشريعات التي تسعى الحكومة جاهدة لتمريرها بعد موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب، ضمن إجراءات الحكومة لزيادة الإيرادات العامة وخفض الإنفاق على الدعم والأجور، والتي من المتوقع أن تدر عائدا يقدر بنحو 32 مليار جنيه كحصيلة سنوية.

وتعد القيمة المضافة ضريبة غير مباشرة تفرضها الدولة على استهلاك معظم السلع والخدمات، وتقع على كاهل المستهلك النهائي، بينما تؤدي الشركات دور الوسيط بين الدولة والمستهلك في تحصيل هذه الضريبة.

وفي سبيل إقرارها، خاضت الحكومة سلسلة من المناقشات الساخنة مع أعضاء مجلس النواب لم تنته بعد، بدأت منذ يوليو الماضي حينما عرضت وزارة المالية على المجلس مشروع قانون مقترح باستبدال الضريبة علي المبيعات والمقدرة بـ10% علي معظم السلة والخدمات التي يحصل عليها المواطن بأخرى تقدر نسبتها بـ 14%.

جلسات مناقشة الضريبة المقترحة لم تخل من مشادات بين مندوبي وزارة المالية وعدد من النواب الذين تخوفوا من التأثير المحتمل لفرض هذه الضريبة على المواطنين، والتي ستقع أعباؤها في النهاية على كاهل المستهلك دون أن يتحمل التاجر أية أعباء إضافية مع زيادة قيمة الضريبة.

وشملت الضريبة الوقود بمختلف مشتقاته، والزيوت وسيارات الركوب والأدوية، والأسمدة الزراعية، المقاولات والخدمات التعليمية، بينما امتدت جداول الإعفاءات لتشمل ما يقرب من 52 سلعة وخدمة منها خدمات الصحة، وجميع أنواع ألبان الأطفال ومنتجات صناعة الألبان، ومحضرات تغذية الأطفال والخبز والبيض والزيوت النباتية الخاصة بالطعام، والشاي والسكر ومنتجات المطاحن، وجميع أنواع الخبز والمكرونة المصنعة من الدقيق، والحيوانات والأسماك والطيور، سواء تم تداولها حية أو مذبوحة طازجة أو مجمدة.

"رسوم الزواج"

في منتصف يوليو الماضي، وافقت لجنة الاقتراحات والشكاوى بمجلس النواب، برئاسة النائب همام العادلي، على اقتراح بمشروع قانون بتعديل قانون 91 لسنة 2005 بشأن ضريبة الأرباح التجارية والصناعية تقدم به النائب بدير موسي، والذي تفرض بمقتضاه ضريبة قدرها 5 جنيهات على المأذونين والموثقين عن كل عقد زواج أو طلاق أو رجعة أو تصادق.

"ضريبة للقضاة"

وخلال النصف الأول من الشهر الجاري، ناقش المجلس نحو 5 مشروعات قوانين مقدمة من الحكومة تتعلق بفرض رسوم لصالح القضاة وأعضاء الشرطة، وفرض رسوم إضافية على الراغبين في العمل بالخارج، والأجانب المقيمين في مصر.

يخص المشروع الأول مقترح الحكومة بتعديل بعض أحكام القانون 36 لسنة 1975 بإنشاء صندوق الخدمات الصحية و الاجتماعية لأعضاء الهيئات القضائية والذي يقترح تحصيل رسوم إضافية من المواطنين بقيمة 10 جنيهات لصالحه.

"رسوم الشرطة"

أما القانون الثاني الذي يناقشه البرلمان الأسبوع القادم فهو مشروع قانون بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1981 بإنشاء صندوق تحسين خدمات الرعاية الصحية والاجتماعية لأعضاء الهيئة الشرطة، وأسرهم وذلك بتعديل بعض المواد الخاصة بفرض رسوم إضافية على الرخص والتصاريح والشهادات والمستندات التي تصدرها وزارة الداخلية، والتي حسبما جاء في المذكرة الإيضاحية لمشروع القانون لم يطرأ عليها أية زيادات منذ عشرين عامًا.

"ضريبة المغتربين"

مشروع قانون آخر مقدم من الحكومة بتعديل قانون دخول وإقامة الأجانب بمصر والخروج منها ويتضمن زيادة الحد الأقصى للرسوم الخاصة بتأشيرات الدخول والإقامة والغرامات التي توقع على المخالفين لأحكام ونص المشروع إلى 300 جنيه.

كما تضمن المشروع رفع الحد الأقصى لقيمة الرسوم الخاصة بمنح التأشيرات بأنواعها ليكون خمسمائة جنيه بدلا من خمسين جنيها.

ونص المشروع على رفع الرسم الخاص بتراخيص وبطاقات الإقامة بحيث لا يقل عن خمسمائة جنيه ولا يزيد على ثلاثة ألاف بدلا من 50 جنيها في القانون القائم، كما تضمن تخصيص نسبة 5% من قيمة رسم تأشيرة الدخول لصالح وزارة الداخلية لمواجهة نفقات ترحيل الأجانب.

"رسوم العمل بالخارج"

وقبل أيام وافق المجلس مبدئيًا على مشروع مقدم من الحكومة بتعديل القانون رقم 231 لسنة 1996 بشأن بعض الأحكام الخاصة بتنظيم عمل المصريين بالخارج، ويتضمن مشروع القانون تعديل الفقرة الأولى من المادة الأولى من القانون وذلك بزيادة الرسم على المصريين الراغبين في العمل بالخارج ليكون 200 جنيه حملة المؤهلات العليا و100 جنيه لغيرهم بدلا من 60 جنيها سنويا.

"ضريبة الدعاوى القضائية"

وفي مطلع الشهر الجاري، وافق مجلس النواب في جلسته العامة علي تعديل مشروع قانون مجلس الدولة، باستخدام مادة تقضي بفرض رسوم قدرها خمسون جنيها على سائر الأوراق في محاكم مجلس الدولة من صحف الدعاوي والطعون والأوراق القضائية.


"آراء الخبراء"

من جانبه، انتقد الدكتور شريف الدمرداش، الخبير الاقتصادي، اتجاه الحكومة نحو التوسع في تحصيل المزيد من الإيرادات بأسلوب الجباية، من خلال فرض رسوم وضرائب علي المواطنين من أصحاب الدخول الثابتة.

وأشار الدمرداش، في تصريح لـ"الدستور"، إلي أن التوجه الجبائي للحكومة تحمل المواطنين ممن تتعرض دخولهم للتناقص بفعل موجة الغلاء أعباء لا يطيقونها، بالقياس إلي القيمة الشرائية للعملة المحلية.

وأكد أن هناك عدة بدائل لزيادة الإيرادات علي رأسها تفعيل الضريبة التصاعدية علي الأرباح التجارية و الصناعية علي أصحاب الدخول المرتفعة من 20% بزيادة تدريجية كلما زاد صافي الدخل وصولًا إلي 40% ، بما يحقق العدالة الاجتماعية.


وقال الدكتور سرحان سليمان، الخبير الاقتصادي، إنه من المفترض في الظرف الاقتصادي الصعب الذي تمر به دولة مثل مصر، وتعاني فيه من عجز في مدي قدرتها علي تغطية احتياجاتها اليومية سواء الداخلية أو الخارجية أن تتجه لفرض ضريبة تصاعدية مرتبطة بالدخول كلما ارتفعت زاد معها قيمة الضريبة المفروضة عليها، وهو الأمر المطبق في سائر الدول التي مرت بظروف اقتصادية مشابهة.

وأكد سرحان، في تصريحات خاصة، أن توجه الدولة نحو استبداع ضرائب وفرضها علي المواطنين كالضريبة المقترح فرضها علي المصريين بالخارج سيكون له تأثيرات سلبية علي إيرادات الدولة من النقد الأجنبي لاسيما وأن تحويلات المغتربين تمثل المورد الأول للعملة الأجنبية بعد انهيار السياحة.

وأشار إلى أن التوسع في فرض ضرائب جديدة على أوراق الزواج والطلاق والحديث عن تحصيل رسوم الكهرباء علي المصلين في المساجد وغيره من مقترحات لم تحدث في فترات الاستعمار الأجنبي، مضيفا أنه كان من الأجدي بدلا من فرض ضريبة القيمة المضافة علي سلع أساسية تمس المواطن أن تشمل فقط السلع التي يقبل عليها ذوي الدخل المرتفع، مثل المشروبات الكحولية والأنواع الفخمة من السجائر، و الإقامة بالمدن الساحلية المميزة، بما لا يؤثر علي القدرة الشرائية لغالبية المواطنين.

وأعزي اتجاه الدولة للضغط علي الفقراء إلي تجنبها الدخول في صدام مع طبقة الأثرياء وعدم رغبتها في خسارة دعم أبناء تلك الطبقات، أما الطبقة الفقيرة الهشة يري الدولة أنه يمكن السيطرة على غضبها وتحجيمه.