رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الإخوان والسلفيون.. خصام أم تكتيك؟


وحين أدرك الإخوان أننا فى زمن يتحول فيه المتدينون إلى اتبّاع السلفية كمذهب وأنها تمددت وتسربت فى المجتمع المصري، لذلك أرادوا استثمار شعبية علماء السلفيين خاصة بعد ثورة يناير 2011، بالاقتراب منهم ومداعبة طموحاتهم وإيهامهم بأنهم سيكونون شركاء لهم فى الحكم، حدث ذلك رغم أن الحركة السلفية كانت هى أبرز خصوم الإخوان فى فترة السبعينيات.


منذ أيام خرج علينا الشيخ محمد حسان أحد شيوخ التيار السلفى بشهادته عن اعتصام رابعة ودارت شهادته حول أن الإخوان رفضوا كل الجهود الرامية لفض الاعتصام بشكل سلمي، وزاد بأن الاعتصام كان مسلحاً وليس سلمياً كما ادعى الإخوان، ومن قبله بأيام خرج علينا الشيخ ياسر برهامى متهماً جماعة الإخوان بالفساد وأن اعتصامها كان مسلحاً، وزاد بأن معظم من قُتلوا فى رابعة كانوا من السلفيين! وسبحان الله الذى أجرى الحق على ألسنة شركاء الدم، فمنذ عام تقريباً قلتُ فى مداخلة تليفونية مع قناة فضائية بأن عدداً كبيراً من المعتصمين فى رابعة كانوا ينتسبون للتيار السلفي، وكان فى استديو القناة الفضائية وقتها أحد رموز حزب النور السلفى، وإذا بهذا الرمز السلفى يقسم بالله أن السلفيين كانوا من أبعد الناس عن هذا الاعتصام وأن أحدهم لم يشترك فى هذا الاعتصام! ولكن الكذب عمره قصير، ومهما حاول السلفيون إخفاء تحالفهم مع الإخوان بعض الوقت إلا أنهم لن ينجحوا فى إخفاء هذا التحالف كل الوقت. وبعد شهادة ياسر برهامى وحسان عن اعتصام رابعة خرج عدد من شيوخ التيار السلفى أبرزهم الشيخ جمال المراكبى ليؤكد أن الإخوان رفضوا كل الوساطات التى كانت تدعوهم لفض الاعتصام بشكل سلمى وأنهم فضلوا الدماء وضحوا بشبابهم لمجرد الحصول على مكاسب سياسية والظهور بمظهر الضحية!.

وقبل هذه الشهادة شاهدنا أيمن الظواهرى زعيم القاعدة وأحد رموز ما يطلقون عليه «السلفية الجهادية» وهو يطلق سهامه نحو الإخوان من أول حسن البنا إلى محمد مرسى الذى اتهمه بالعلمانية ومعاداة الدين، والعجيب أن أيمن الظواهرى قال ما قاله رغم تحالف تنظيمه الجهادى مع الإخوان لدرجة أن الإخوان ــ باعتراف الظواهرى ــ فتحوا لهم سيناء لينشئوا فيها جيشاً إسلامياً، والآن بعد أن تحولت جماعة الإخوان إلى مجرد ذكرى، وأصبحت مُلحقة بالزمن الماضى إذا بكل من تحالفوا معهم ينفضون أيديهم عنهم ويلقون بهم فى «صناديق التاريخ للقمامة». ولكن كيف كانت القصة، وكيف كان التحالف؟ ولماذا انتهى تحالف شركاء الدم؟ فلنبدأ الإجابة عن تعريفٍ للتيار السلفي، فرغم كانت السلفية إذن مرحلة زمنية ولكنها تحولت عن بعض أصحاب الأفهام المتشددةإلى مذهب دينى مبتدع، وعن ذلك يقول الشيخ محمد سعيد البوطى ــ رحمه الله ــ الذى قتلته مدافع السلفيين الجهاديين فى سوريا وهو قائم يصلى فى محراب مسجده، يقول «إن السلفية الحالية مذهب جديد مخترع فى الدين، وأن بنيانه المتميز، قد كونه أصحابه من طائفة من الآراء الاجتهادية فى الأفكار الاعتقادية والأحكام السلوكية، انتقوها وجمعوها من مجموع آراء اجتهادية كثيرةمختلفة قال بها كثير من علماء السلف وخيرة أهل السنة والجماعة، اعتماداً على ما اقتضته أمزجتهم وميولاتهم الخاصة بهم ثم حكموا بأن هذا البنيان الذى أقاموه من هذه الآراء المختارة من قبلهم، وبناء على أمزجتهم وميولاتهم، هو دون غيره البنيان الذى يضم الجماعة الإسلامية الناجية والسائرة على هدى الكتاب والسنة، وكل من تحول عنه إلى آراء واجتهادات أخرى قال بها فصيل آخر من السلف فهم مبتدعون تائهون» وأظن أن هذا التعريف هو الأكثر دقة وعلمية وبه تستطيع أن تعرف أن هناك قوماً أرادوا أن يحكموا واقعنا بعقول ناس مضت قرون وقرون وهم فى قبورهم، بمعنى أنهم يريدون أن يحكموا واقعنا من خلال القبور، ولكن رغما عنا أصبح لهذا التيار شعبية كبيرة فى أوساط المتدينين البسطاء الذين يظنون الحق مع كل من ارتدى جلباباً وعمامة و«غُطرة» تتدلى من رأسه.

وحين أدرك الإخوان أننا فى زمن يتحول فيه المتدينون إلى اتبّاع السلفية كمذهب وأنها تمددت وتسربت فى المجتمع المصري، لذلك أرادوا استثمار شعبية علماء السلفيين خاصة بعد ثورة يناير 2011، بالاقتراب منهم ومداعبة طموحاتهم وإيهامهم بأنهم سيكونون شركاء لهم فى الحكم، حدث ذلك رغم أن الحركة السلفية كانت هى أبرز خصوم الإخوان فى فترة السبعينيات، وكانت المخاصمات والملاسنات بين التيارين على أشدها، حينها خرجت فتاوى قطب السلفيين عالم الحديث ناصر الدين الألبانى تُحرّم الانضمام لجماعة الإخوان، ومن معين العالم الحنبلى الوهابى ابن باز خرجت أيضاً الفتاوى التى تصف الإخوان بأنهم أهل البدع والضلال، وانتشرت هذه الفتاوى بين أبناء الحركة الإسلامية وظلت تؤثر فيهم وتبعدهم عن ساحة الإخوان المسلمين حتى إن أبا إسحاق الحوينى رمز السلفية فى مصر ألقى عشرات الخطب التى يهاجم فيها الإخوان ويعدد البدع التى رأى أنهم وقعوا فيها.

ولأن الإخوان لم يكونوا فى يوم من الأيام فرقة دينية تحمل مذهباً إسلامياً ما فى العقيدة أو الشريعة وكان كل غرضهم هو الوصول إلى الحكم بأى طريقة مهما كانت الراية التى يستغلونها، وبعد أن تحكم فريق محمد بديع ومحمود عزت والشاطر فى الجماعة انعقدت الخطوبة بين الإخوان والسلفيين، إلا أن الزواج الرسمى تم وانعقد قبل انتخابات الرئاسة إبان ترشح محمد مرسي، حينها أظهرت الجماعة الود للتيار السلفى طمعاً فى أصوات جمهورهم، وبعد أن وصل الإخوان للحكم استمرت الحالة العاطفية بينهما فى ازدهار فترة زمنية قصيرة حتى وقعت الواقعة وقام مرسى بإقالة أحد رموز السلفيين من موقعه كمستشار له على زعم بأنه ارتكب مخالفات مالية ! ساعتئذ عرف رموز السلفيين أنه تم استخدامهم، وأن بطاقة الصلاحية لهم لدى الإخوان قد انتهت عمرها الافتراضي، والحق أنهم بدورهم كانوا يريدون استخدام الإخوان لتحقيق مصالحهم ومناصفتهم الحكم، لذلك بعد أن أدرك السلفيون أنهم كانوا أداة ليس إلا فلم يكن أمام حزب النور ممثل التيار السلفى إلا الوقوف مع ثورة الثلاثين من يونيه 2013 ظاهراً، إلا أنه فى الوقت ذاته أراد أن يمد حبلاً سرياً بينه وبين الإخوان فوافق على أن يذهب جمهورهم إلى رابعة فى مشاركة واضحة للإخوان فى اعتصامهم، لذلك كان حزب النور يصدق فى وعوده بعد ثورة يونيه 2013 بشكل ظاهري، ولكن جمهوره كان ينضم لحشود الإخوان. وإذا أردنا تكملة الإجابة عن سبب فض التحالف بينهما سنجد أن السلفية وإن لم تكن ولن تكون مذهباً دينياً، ولكن البعض مذهبها.. وأن الإخوان لم يكونوا سلفيين ولن يكونوا ولكنهم سلّفوا أنفسهم من باب التقية إذ كان لهم فيها منافع دنيويةوانتخابية، وقد قضوا منهم وطرهم، فكان الطلاق البائن بعد ذلك، وجاءت شهادة الشيخ حسان والشيخ جمال المراكبى لتكتب ورقة الطلاق البائن، والله أعلم هل سيكون بائناً بينونة كبرى أم صغرى؟ هذا ما ستجيب عنه الأيام.