رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

للإنسان قيمة وحياته مسئولية الأنظمة الحاكمة


لماذا تهتم الأنظمة الحكومية فى الدول المتقدمة بالإنسان جنينا فى بطن أمه، او طفلا يحتاج إلى الرعاية رغم أن هذه الأنظمة لا تشكو من قلة السكان، حيث يتطلع إليها ملايين من البشر الذين يسعون إليها، ولولا انضباط الدخول إلى هذه الأراضى- الذى أصبح عسيراً، حيث يتحايل الملايين بطرق عديدة طلبا للإقامة حتى بأسلوب اللجوء إليها هربا من أنظمة حاكمة متعسفة، أو لضيق مساحات الحريات فيها...

... ففى دول المهجر، تحديدا أستراليا والولايات المتحدة الأمريكية وكندا يتحايل طالبو الدخول إليها بدعوى القيود الشديدة على الحريات، وقد لا تكون دعواهم صحيحة، أو أن مساحات الحرية ليست بالضيق الذى يدعونه، ومن هذه الأمثلة التى نسمع عنها من يدعون أن ختان بناتهم إجبارى، وهم لا يقبلون هذا الإلزام حتى بعد أن غيرت هذه الدول من هذا الأسلوب، فلم يعد إجبارا أو إكراها، ثم تتعدد الحيل والأساليب، ومنهم من ينجح بعد عام أو أكثر من قبولهم كمهاجرين تنطبق عليهم مساحة الحريات، وكل هذه المحاولات التى غالبا ما تنجح فى قبول أصحابها للإقامة الدائمة كمهاجرين لاجئين طلبا للحرية.

أما علامة الاهتمام بالإنسان فتبدو واضحة جلية فى مدى الاهتمام بحياة الإنسان وقيمته، بل تجاوزوا الإنسان إلى الاهتمام بالحيوان، لدرجة أن لكل كلب أو قطة أو طير من طيور الزينة ملفاتهم التى تحتوى على بياناتهم من تاريخ الميلاد، وسيرته الذاتية، وبها نوعه وتاريخ تلقيه الأمصال اللازمة فى مواعيدها، وتتجدد الرخصة كل عام لمعرفة ما طرأ على الحيوان من مرض اعتراه، أو إذا ما كان قد أصابه حدث معين، وما تلقاه من علاج حتى أصبحت الكلاب صديقة للإنسان وشريكا فى كثير من الأعمال والمسئوليات، فعلى سبيل المثال هناك زيارات تقوم بها الكلاب للبشر المرضى فى المستشفيات، وذلك وفق نظام ومواعيد محددة للكلب وصاحبه أن يزورا المستشفى المعين، ويمر الكلب على جميع المرضى، وفى المستشفيات الكبيرة يتردد عليها أكثر من كلب ليمروا على مرضاهم من البشر ليدخلوا عليهم السرور، وقد لا يكون لبعضهم من يزورونه من الأقرباء أو الأصدقاء لتقوم الكلاب بدورهم فى زيارة المرضى ليدخلوا عليهم المسرة، وكل شىء يتم فى دقة ونظام لا خلل فيه أو منه.

أما قيمة الإنسان - أى إنسان - فقيرا كان أم غنيا فحياة الإنسان غالية، وحتى نغار نحن ومعنا من بيدهم الأمر أسوِّق حدثا تابعته بكل دقة وبشديد الاهتمام «فى إحدى الأمسيات من يوم من أيام العطلات، حيث لم يكن ما يدعو لبذل الجهود الشاقة، وبعدعشاء عائلى فى أحد مطاعم المدينة الأمريكية الكبيرة جدا، سقط الشاب مغشيا عليه حيث لاحظت زوجته أن القلب توقف فجأة، وبسرعة اتصلت بالرقم السحرى المعروف فى الولايات الأمريكية الخمسين، وهو ٩١١، ومن الإسعاف أعطى طبيبها ما يجب عمله للإنسان الذى فقد الوعى، وتوقف قلبه عن النبض، أن يدلكوا القلب بكل شدة لعل القلب يعاود نبضه، وفى أقل من سبع دقائق كانت سيارة الإسعاف وصلت إلى مكان المريض وبها طاقم من المتخصصين والذين بدأوا تدريباتهم المتسمة بالقوة وبشىء من العنف حتى يحاولوا أن يعيدوا للقلب نبضاته ولو بدرجة ضعيفة، ثم انطلقت الإسعاف إلى المستشفى، حيث كانت الطبيبة الجراحة للقلوب على اكمل درجة من الاستعداد رغم أن اليوم من أيام العطلات الأسبوعية «العطلة يومى السبت والأحد».

ورغم العطلة فقد كان الاستعداد على قدم وساق لإنقاذ المريض الذى هو فى واقعنا الشرقى ليس على قيد الحياة.

ولم يكتفِ الجراح بإعادة القلب إلى الحياة، وحتى لا يتكرر ما حدث، فكان هناك قلب صناعى تم تركيبه فى وقت قياسى، ثم قاموا بتجربة القلب حيث إنه من الأعضاء الصناعية التى لم يمر عليها اكثر من عام، وفى التجربة يفصلون القلب الطبيعى ليختبروا فاعلية القلب الصناعى، ولم يكن المريض محظوظا، حيث لم يعمل القلب الصناعى كبديل عن القلب اللحمى، وتكررت المحاولةأكثر من أربع مرات، وخوفا على حياة المريض تقرر التوقف عن تثبيت هذا النوع، وقرروا بعد أسبوع من تاريخ القلب الذى فشل إلى العودة إلى القلوب القديمة التى يتم توصيلها بالقلب الأصلى بأسلاك معينة، فى حين أن القلب الأول كان تثبيته بلا أسلاك.

وفى الموعد المحدد تم تركيب القلب الصناعى الآخر والذى يعمل بأسلاك دقيقة، وهو النوع المجرب منذ أن عرف الأطباء القلوب الصناعية البديلة، وبعد أربعة وعشرين ساعة خرج المريض بقلب جديد ومعه قائمة من الملاحظات التى عليه مراعاتها بلا أدوية أو حتى مسكنات، ولكن له كل الإمكانات للاتصال بالمستشفى إذا ما شعر بأى نوع من التعب.

أما ملاحظاتى كمتتبع للحالة فهى على النحو التالى:

١- لم تضع ثوان من الوقت فى سبيل إنقاذ حياة إنسان فى منظورنا أنه قد فارق الحياة، فقد انقطعت الأنفاس، وتوقف القلب عن النبض، وسقط صاحبه بلا حراك أو نفس يخرج، كما نعبر نحن عنه..٢- لم يسأل أى من الذين استدعوا كمسعفين، مع أن من طلب الإسعاف فتاة فى عمر الطفولة، إذ إن عمرها لم يتجاوز التاسعة، ولم يأخذ أحد وقتا فى التحرى والضمانات للتأكد أن الطالبة تعنى ما تقول.. ٣- الوقت الذى وصلت فيه سيارة الإسعاف لم يتجاوز سبع دقائق، وفى أثنائها كان المسعف يعطى إرشاداته لمن حول المريض حتى وصول الإسعاف فى اقل من سبع دقائق، وهو الزمن المحدد لإنقاذ مريض.. ٤- رجال الإسعاف كانوا مدربين على مثل هذه الاحداث، وقد مارسوها أثناء الدقائق، وهى مدة الطريق إلى حجرة العمليات بالمستشفى.. ٥- كل شىء كان معدا قبيل وصول المريض، سواء القلب الصناعى، أو ما يحتاجه من وسائل قبيل وصول المريض غير المتخصص والذى لا يدرى من أمره شيئا.. ٦- عندما فشل القلب اللاسلكى لأكثر من أربع أو خمس محاولات فيها يوقف عمل القلب الطبيعى الذى بدأ العمل بواسطة كل التمارين التى بذلت من لحظة توقف القلب الطبيعى وحتى تركيب القلب الجديد.. ٧- تم تركيب القلب المتعارف عليه لسنين، وحيث تصل نتائجه إلى مائة فى المائة، فقط يحتاج إلى أسلاك، بعكس النوع الأول الذى لم يتجاوب مع المريض.

وبعد أربعة وعشرين ساعة كان المريض خارج المستشفى عائدا إلى بيته مزودا بالنصائح والإرشادات للمحافظة على القلب الصناعى الذى يعمل من خلال «بطارية» تحتاج إلى تغيير كل عشر سنوات، مع مراجعة وفحص كل ستة أشهر. وهكذا عرفنا قيمة الإنسان عند أبناء العم سام، ومنهم من يدين بديانات لم نسمع عنها، ومنهم من لا يدين بأى دين، ولكنهم جميعا يعملون بدقة متناهية، وعزيمة جبارة، ويعرفون قيمة الإنسان - أى إنسان - لا فرق عندهم بين مليونير وفقير، أو إن شئت فقل متسولاً، فالإنسان هو الإنسان. . وللحديث بقية