رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"لغز التكتيم على كارثة ديمونا".. إشعاعات المفاعل الإسرائيلى تسمم المياه الجوفية بمصر والدول المجاورة.. تل أبيب تتجاهل المخاطر وتعتبر قضية المفاعل "أمن قومي"

جريدة الدستور

ثارت عاصفة قبل شهور، داخل إسرائيل، بعدما كشفت وسائل إعلام الاحتلال عن وجود 1537 خللا فى مفاعل ديمونا، وحينها طالب عدد من نواب الكنيست بفتح تحقيق عاجل حول المفاعل الذي انتهى عمره الافتراضي، منذ 40 عامًا، لكن المثير في الأمر أن القضية كأن لم تكن، إذ تم التكتيم عليها، في ظروف غامضة.

المخلفات النووية
المشكلة الحقيقية، هي أن المفاعل بات شرًا لابد منه، إذ لم يعد هنالك حل في رأي كثير من الخبراء لهذه الكارثة، فمن ناحية تشكل النفايات المشعة المتكونة عنه، قنبلة موقوتة، تستمر آثارها لعشرات الآلاف من السنين، وتدمر البيئة وتمتد لدول الجوار، وبينها مصر، ومن ناحية أخرى، فإنه لا يمكن إحلاله وتجديده، لأنه حتى وإن قررت إسرائيل ذلك، فإن هناك معضلة أخرى، وهي: أين تذهب بالمخلفات النووية للمفاعل؟

تفكيك المفاعل
وكانت القناة السابعة الإسرائيلية، فى يناير الماضي، قد أكدت أن هيئة الطاقة الذرية الإسرائيلية ومسئولى مفاعل "ديمونا" النووي بصحراء النقب، يبحثون عن موقع آخر لدفن النفايات النووية للمفاعل غير صحراء النقب ، ومن المقرر أن تستمر عمليات البحث لمدة عامين.

فيما أكدت تقاير غربية أن الحل الأمثل للتخلص من نفايات المفاعل، هو دفن النفايات الإشعاعية فى باطن الأرض، بحيث يتم تخزينها فى براميل وبعد ذلك يتم إغلاقها ودفنها فى الأرض، لكن لم يعرف حتى الآن الأضرار الناجمة عن هذه العملية، كما أن مواقع الدفن يجب أن تكون مستقرة من الناحية الجيولوجية، وغير معرضة للزلازل أو جريان المياه الجوفية.

خطر على المياه الجوفية
وكشفت تقارير بيئية، أن دفن مخلفات المفاعل بصحراء النقب، تسبب في وصول تسريبات ديمونا لمناطق عربية واسعة، ووصولها كذلك للمياه الجوفية على حدود ليبيا ومنطقة تبوك السعودية، والكرك والطفيلة ومادبا بالأردن، كما أوضحت دراسة العالم الأمريكي أفنير بنجوش الذي يعمل في جامعة "بن غوريون" الإسرائيلية والتى (أجريت خلال عامي 2010 -2011) أن نسبة التسريب النووي من مفاعل ديمونا في تزايد، وخاصة بعد تسربه للمياه الجوفية.

فيما أكد خبراء للطاقة النووية أن إسرائيل تقوم بدفن النفايات والمخلفات النووية في صحراء النقب بالقرب من الحدود الشرقية مما يعرض سيناء بأكملها لمخاطر متعددة قد لا تظهر نتائجها السلبية والمدمرة سريعا وإنما تحتاج لمرور عدة سنوات ربما تصل إلي أكثر من 10 سنوات.

دراسة خطيرة
وفى دراسة أجراها الدكتور محمود سعادة، نائب رئيس قسم الشرق الأوسط في هيئة الأطباء الدوليين للحماية من الحرب النووية، ذكر أن نسبة التسريب النووي من مفاعل ديمونة في تزايد حيث أوضح أن الدراسات التي أجريت عام 2007 أثبتت أن التسريب كان لحدود الأردن، الا أن دراسات ما بعد عام 2011 أثبتت أن التلوث النووي يتزايد وخاصة بعد تسربه للمياه الجوفية، مشيرًا إلى أن الجيش المصري أجرى دراسة على شواطئ وحدود مصر فكانت أكثر منطقة ملوثة بنسب عالية من الإشعاع النووي، صحراء سيناء.

خطورة الكارثة، لا تحتاج لتأكيد، خصوصًا أن إعلام الاحتلال نفسه يحذر منها، فالجميع في بوتقة الخطر، حيث كانت صحيفة "معاريف"، قد أكدت في مارس الماضي، فى معرض حديثها عن مصادقة الحكومة الإسرائيلية على توصيات لجنة "ريفلين" التي طالبت بمنح كل عامل في مفاعل ديمونة النووي أصيب بمرض السرطان تعويضًا قدره 75 ألف شيكل (نحو 20 ألف دولار)، أن التسريبات النووية للمفاعل تسمم المياه الجوفية بسيناء.

ملف أمن قومي
الصمت الذي استبدل بالضجة التي حدثت أثار الريبة والشك، ذلك ما اتفق عليه الخبراء، لكن أستاذ الأدب الإسرائيلي، بجامعة عين شمس، الدكتور منصور عبد الوهاب، قال في تصريحات خاصة لـ"لدستور"، إن هذه القضية تشغل إسرائيل، لكنها تناقش داخل الغرف المغلقة ولن يعلن بعد عن نتائج عن تفكيك المفاعل المتقادم، أو أي حلول للأزمة.

وقال أستاذ العلوم السياسية والمحلل السياسي بحركة فتح، أيمن الرقب، في تصريحات لـ"الدستور"، إن تسريبات المفاعل وصلت، إلى عدد من القرى العربية داخل فلسطين منها غزة والخليل الغربي والنقب، كما أن نسبة الإصابة بالسرطان زادت بشدة فى تلك الأماكن كما وصلت التسريبات النووية لعدد من الدول العربية المجاورة.

وأضاف أنه بالرغم من الدعوات الأمريكية بفرض رقابة على هذا المفاعل، وطالبت أيضا بفرض حظر انتشار الأسلحة النووية فى دولة الاحتلال ، إلا أن تل أبيب تجاهلت كل تلك الدعاوى، ومستمرة فى دفن مخلفات المفاعل.

وتابع الرقب، أن ملف المفاعل يفتح ولم يلبث سوى بضعة أيام ليعود من جديد طي الكتمان، مشيرا إلى أن إسرائيل تتعامل مع هذا الملف على أنه أمن قومي، لذلك لابد وأن يطرق باب "ملف مفاعل ديمونة" بشكل قوى وبدعم عربي ودولي حتى يتخلص العالم العربي من مخاطر هذا المفاعل.