رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

"السلاح مقابل العفو" مراوغة جديدة أم حقن للدماء السوريين.. حصار وممرات آمنة لخروج المسلحين من حلب.. ومراقبون: الأسد وبوتين يمهدان لضربة عسكرية قوية

جريدة الدستور

"تسليم السلاح مقابل العفو".. بادرة مفاجئة أطل بها بشار الأسد على شعبه كرئيسًا انهكته المعارك الدامية مع معارضيه، وسأم مشاهد القتل والدمار، باحثًا عن سلام مفقود، فبعد سنوات من القتال المتواصل بين الجيش والمعارضة السورية، يبدو أنه بات هناك متسع من الوقت لحقن الدماء.

مرسومًا تشريعيًا جديد أصدره الرئيس السوري، اليوم الخميس، يقضي بمنح عفو لكل من حمل السلاح وبادر إلى تسليم نفسه وسلاحه، ينص على أن كل من حمل السلاح أو حازه لأي سبب من الأسباب، وكان فاراً من وجه العدالة، أو متوارياً عن الأنظار، يُعفى من كامل العقوبة متى بادر إلى تسليم نفسه وسلاحه للسلطات القضائية المختصة" خلال مدة ثلاثة أشهر.

ووجه الأسد دعوه إلي معارضيه قال فيها: "إن هذه لفرصة سانحة لكلّ من حملوا السلاح أن يستمعوا فقط للصوت الوطني الذي يناديهم أن يهجروا أسلوب العنف، وأن يلقوا السلاح، وأن ينخرطوا في عملية إعادة إعمار ‫‏سورية لهم ولأبنائهم"، مضيفًا:" إن المصالحة الوطنية هي الطريق الأهم لوضع حدّ لما يعصف ببلدنا من عنف وقتل ودمار، لذا أدعوا الجميع للعودة إلى حضن الوطن وإلقاء السلاح، وسيجدون أن سورية، كما كانت دائماً، هي الأم الحاضنة للجميع، والحانية عليهم، وبذلك يمكن لنا جميعاً أن نعود إلى الأمن والأمان الذي طالما كنا نفاخر به العالم".

تزامن مع تلك المبادرة، قيام القوات الروسية بتفويض من الرئيس الروسي فلاديمير بوتن، بعملية إجلاء المدنيين ومسلحي الجيش السوري الحر المعارض، من أكبر المدن السورية مدينة حلب بعد فتح 3 ممرات فى مدينة حلب قرب طريق الكاستيلو، لخروج الراغبين فى إلقاء السلاح، بحسب ما جاء علي لسان إعلان وزير الدفاع الروسى سيرجى شويجو.

المساعي السورية الروسية للتفاوض مع المعارضة اقترنت أيضًا بتحركات للجيش النظامي ليل أمس الأربعاء لقطع كل طرق الإمداد إلى شرق حلب، في وقت أسقطت فيه الحكومة آلاف المنشورات هناك تطالب السكان فيها بالتعاون مع الجيش وتدعو المعارضة المسلحة المتحصنة في المدينة إلي الإستسلام.

وبفضل التقدم الذي أحرزته القوات الحكومية حول طريق الإمدادات الوحيدة المتبقية إلى القطاع الشرقي من المدينة هذا الشهر، أصبح طريق "الكاستيلو" في مرمى نيرانها مباشرة بصورة تجعل من الصعب للغاية استخدامه، الأمر الذي يهدد بمحاصرة 250 ألف شخص يعيشون في المناطق الخاضعة للمعارضة.

ويزداد القلق على المحاصرين في الأجزاء التي تسيطر عليها المعارضة في حلب، حيث طالب الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الاثنين الماضي بوقف القتال لمدة 48 ساعة للسماح بإيصال الطعام والمساعدات.

اعقب ذلك، إعلان مندوب روسيا الدائم لدى مقر الأمم المتحدة في جنيف أليكسي بورودافكين أن الرئيس السوري بشار الأسد مستعد لبحث اقتراحات المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا حول تطبيع الوضع في سوريا.

وأكد بورودافكين أن عملية الانتقال السياسي بمشاركة المعارضة المعتدلة في إصلاح مؤسسات الدولة تمثل الطريق الوحيد لتسوية الأزمة السورية، مشددًا علي أن المفاوضات السورية المقبلة يجب أن تبدأ دون أي شروط مسبقة وأن تكون مفاوضات مباشرة شاملة تجري بمشاركة أكراد سوريا.

واختلفت تحليلات خبراء الشأن السياسي حول تبعات تلك المبادرة وما أعقبها من إجراءات روسية، إّذ اعتبرها البعض بداية أكثر مرونة لتسوية القضية السورية، بينما لم يعول عليه اخرون كثيرًا، معتبرينها مجرد مراوغه من الأسد لبقاء أطول وقت في السلطة وإحراج المعارضة.

الدكتور جهاد عودة، استاذ العلوم السياسية بجامعة حلوان، رأي أن المبادرة السورية تأتي في إطار جهود تسوية القضية السورية، برعاية أممية، ومساعي عدة أطراف دولية علي رأسها روسيا والولايات المتحدة، مضيفًا ان توقيتها جاء متزامنًا مع الخسائر المتتالية التي منيت بها المعارضة المسلحة المرابطة علي اراضي سوريا.

وأشار الخبير السياسي، في تصريح لـ"الدستور"، إلي أن المبادرة تعكس رغبة واضحة في اجراء مصالحة وطنية، وليست فخ للإيقاع بالمعارضة كما يزعم البعض، موضحًا أن الموقف الروسي المتزامن مع المبادرة السورية تعكس الرغبة الروسية في الحفاظ علي إستقرار نظام الأسد.

وأكد أن التدخل الروسي من البداية ، عمد إلي اتخاذ كافة الإجراءات التي من شأنها الإبقاء علي بشار الأسد في منصبه، وإتاحه الفرصه أمامه في ضوء المكاسب المتتالية علي الأرض، للدخول في مفاوضات مع المعارضة في المحافل الدولية.

واستبعد أن يعقب تلك المبادرة توجيه ضربه عسكرية ضد المسلحين المتحصنين في حلب، موضحًا أن القوات النظامية استعادت سيطرتها علي مساحات كبيرة من الأراضي السورية من بينها مدينة حلب، والتي لازالت أجزاء منها تقع تحت سيطرة الجيش الحر المعارض، وأخري تابعة للأكراد المتحالفين مع بشار، وبالتالي فالوضع ميدانيا ليس كما يصور الإعلام الغربي.

وتوقع أن يرضخ قطاع كبير من فصائل المعارضة المسلحة الي شروط المبادرة، تحت وطأة الخسائر التي تكبدتها مؤخرا امام القوات النظامية، رغم التحفظات التي أبتدها حاليًا، خاصة وأنه ليس لديها أوراق تساوم بها في الوقت الراهن.

وأوضح أن المعارضة المدعمه من تركيا ستقبل بالعودة إلي طاولة المفاوضات، لاسيما في ظل التقارب التركي الروسي، بينما تميل المعارضة المدعومه من السعودية إلي الإصرار علي مسلك المواجه المسلحة اذا ما استمر الوضع كما هو.

بينما فسر دكتور محمد حسين، خبير العلاقات الدولية، دعوة التفاوض مع المعارضة، بأنها لا تعدو كونها فخ من جانب بشار الأسد للإيقاع بمعارضه، وربما لإحداث الوقيعه بين صفوف المعارضة المسلحة.

وأضاف الخبير السياسي، في تصريحات خاصة، أن الخطوة تأتي استباقًا لضربه عسكرية سورية روسية ضد حلب، يحاول من خلالها نظام الأسد تبرأه نفسه أمام المحافل الدولية، مؤكدًا أن مستقبل الأسد في الحياة السياسية منعدم.

ووصف المبادرة السورية بعديمة القيمة مصيرها مزبلة التاريخ، من شخص لازال متشبثًا بالحكم، علي حساب شعبه، يقتل منهم وينكل بهم كما يشاء، تعكس مخاوفه المتزايدة من قوة المعارضة، وإشتداد المقاومة ضده.