رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ضربة جديدة لمصر بـ3 خسائر في "عمق إفريقيا" .. حكاية "الزيارة الإيرانية" المثيرة إلى غرب القارة ‏السمراء بعد أيام من جولة "رئيس وزراء إسرائيل"‏

جريدة الدستور

‏الجولة التي يقوم بها وزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى غرب إفريقيا، والتي جاءت عقب جولة ‏رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى شرقها، بنحو 20 يومًا، تميط اللثام عن الصراع الإيراني ‏الإسرائيلي على القارة السمراء، التي أوشكت على الوقوع بين تمدد الطرفين داخلها، في ظل غياب تام من مصر.

أرض الذهب
تاريخيًا تحتل قارة إفريقيا مكانة كبرى بين قارات العالم، فهي الثانية من حيث المساحة، وموقعها الإفريقي ‏يوفر لها مناخًا مداريًا، يضمن لها موارد طبيعية‎ ‎كبيرة إلى جانب الثروات الحيوانية، وهو ما يفسر ركض تل أبي وطهران إليها خلال الفترة الأخيرة.

كما أنه على صعيد الموارد المعدنية، تنتج إفريقيا ما يقرب من 98% من إنتاج العالم من الماس، و55% من ‏ذهبه و22% من نحاسه، وتتمتع باحتياطيات نفطية كبيرة، ومعابر مائية قابضة، وهو ما يدفع القوى ‏الإقليمية للتناحر عليها، معتمدين على تدهور علاقات عواصم القارة الإفريقية بمصر.‏

العلاقات المصرية الإفريقية المتدهورة حاليًا، كانت توصف خلال فترة الستينيات بالجيدة، حيث كانت إفريقيا ظهيرًا أساسيًا لمصر وأمنها القومي، ‏وتقدم لها الأخيرة الدعم المالي والسياسي والعسكري خاصة بعد تحريرها من الاستعمار.‏

ولكن صعدت مصر مع عواصم إفريقيا سلم الانحدار سريعًا فمن سيء إلى أسوء سارت هذه العلاقات، بداية من اضطرابها مع ‏إثيوبيا بسبب أزمة سد النهضة، وعراكها مع السودان بسبب منطقتي حلايب وشلاتين، حتى تركت الباب ‏مفتوحًا على مصرعيه أمام الدول الأخرى.‏

‏التمدد الإيراني
على وقع هذا الغياب وتلك الأهمية تسير طهران حاليًا إلى إفريقيا، محاولة توسيع تمددها داخل القارة، وهو ‏ما يتضح بشكل أعمق في الزيارة التي يقوم بها حاليًا وزير خارجيتها "جواد ظريف" في جولة غرب ‏إفريقيا، تسمتر لمدة 6 أيام، وتشمل كلًا من: "نيجيريا، وغانا، وغينيا، كوناكري، ومالي".‏

تحت عنوان مكافحة الإرهاب، برر ظريف زيارته إلى إفريقيا، ألا أن ووفقًا لمراقبون الشأن الدولي، فالمصالح الاقتصادية، وحصار مصر، وتمدد فكر الشيعة، هم الأسباب الرئيسية الخفية وراء هذه الزيارة.

كما أنه خلال الثلاث سنوات الماضية، استطاع ظريف تسجيل حضور قوي للجمهورية الإسلامية في قلب إفريقيا، ‏حيث تعتبر جولته الحالية هي الزيارة الثالثة له، بدأها في عام 2014 بجولة إلى دول شرق إفريقيا وفي ‏‏2015 زار كلًا من الجزائر وتونس في شمال افريقيا.‏

تاريخ العلاقات‏
يشير لنا التاريخ عن الأهمية القصوى التي تحتلها إفريقيا لدى إيران، فمحاولات تغولها في القارة يعود ‏تحديدًا إلى عام 2000، حيث سعت إيران منذ هذا التاريخ إلى توسيع دائرة علاقتها السياسية والدبلوماسية ‏في إفريقيا، بزرع نحو 30 سفارة لها في دول القارة السمراء.‏

وعبر هذه السنوات استطاعت إيران عقد العديد من القمم الإفريقية وترأسها، حتى حصلت على عضوية ‏مراقب داخل الاتحاد الإفريقي، ليكون لها يد كبرى داخل إفريقيا، أما على صعيد الزيارات الإيرانية فهي ‏لا تنقطع.‏

على سبيل المثال وليس الحصر، فقد قام الرئيس السابق أحمدي نجاد بأكثر من ست جولات لدول غرب ‏أفريقيا، أما المسؤولين الإيرانيين قاموا خلال عام 2009 فقط بنحو 20 زيارة متتابعة، ونظمت طهران ‏ما بين عامي 2002 - 2006 حوالي 32 معرضًا تجاريًا في إفريقيا.‏

كما استغلت إيران قديمًا تفشي الاستعمار في قلب القارة السمراء، لإظهار نفسها المُساند والداعم القوي ‏للعواصل الإفريقية، من خلال مشاركتها في العديد من أطر التعاون الدولي، منها حركة عدم الانحياز، ‏التي استضافت قمتها السنوية في عام 2012، ومجموعة الدول النامية الثمانية (‏D-8‎‏).‏

أما على المستوى الاقتصادي فتعتبر إفريقيا كنز لا يفنى بالنسبة إلى طهران، نظرًا لعبور صادراتها البحر ‏الأحمر إلى قناة السويس، وقربها من الخليج العربي الذي يقع في صلب إستراتيجيتها الإقليمية.‏

وتأكيدًا على ذلك، فقد حصلت طهران عام 2008، عقب زيارة الرئيس الإريتري "أسياسي أفورقي" إليها ‏على تسهيلات في ميناء عصب على البحر الأحمر، وهو ما يعطيها نقطة ارتكاز استراتيجية.‏

وتعتبر إيران من الدول المصدرة للنفط لبعض دول القارة، فقد بلغ حجم صادراتها النفطية إلى إفريقيا نحو ‏‏3,60 مليار دولار، ومعروف أن من أكبر منتجي اليورانيوم، بنحو 20% من إنتاج العالم، الذي تطتلع ‏إيران نحوه من خلال مبدأ "النفط مقابل اليورانيوم".‏

‏استيطان إسرائيلي‏
وتقف إسرائيل على الجهة المقابلة، ليس في دور المُتفرج، ولكن في دور القطب المواجهة للتمدد الإيراني ‏في إفريقيا، من خلال محاصرتها للناحية الشرقية من القارة السمراء، جاء هذا الفرض في ضوءالجولة ‏المفاجئة لرئيس وزراء حكومة الاحتلال بينيامين نتينياهو، خلال يونيو الماضي.‏

تحت شعار "إسرائيل تعود إلى أفريقيا، وأفريقيا تعود إلى إسرائيل‎"‎، رافق "نتنياهو" وفدًا من 80 مسؤولًا ‏يمثلون أكثر من 50 شركة إسرائيلية، وبدأت الجولة من قبل أوغندا، مع الرئيس يوويري موسيفيني، ‏ليعبر على أراضيها عن رغبة إسرائيل في تعزيز العلاقات مع كل دول إفريقيا، مُنتقلًا بعد ذلك إلى كينيا ‏ثم رواندا وإثيوبيا.‏

‏تمدد تل أبيب 
منذ بداية عام 2003، وتجمع تل أبيب بدول إفريقيا علاقات متينة لم تشهد انقطاع أو توتر، ولكنها كانت ‏شاهدة في الوقت ذاته على التغلغل الإسرائيلي في العمق الإفريقي، حيث تقيم تل أبيب علاقات دبلوماسية ‏مع 46 دولة أفريقية من مجموع دول القارة البالغ عددها 53 دولة.‏

ووفقًا لبعض الإحصائيات، فإن البعثات الدبلوماسية الإسرائيلية في أفريقيا بالمقارنة مع بعثاتها في العالم ‏تشكل 48%، في حين تبلغ نسبة العلاقات الدبلوماسية الأفريقية الإسرائيلية بالمقارنة مع نسبتها بالعالم ‏‏28%.‏

وخلال فترة التسعينات من القرن العشرين، كانت إسرائيل على موعد من توطيد علاقتها السياسية ‏والتجارية والاقتصادية مع دول إفريقيا، وقدمت مساعدات اقتصادية وعسكرية لهذه الدول لتوطيد العلاقات ‏وخدمة مصالحها.‏

وعقدت تحالفات مع إثيوبيا وإريتريا ودول إفريقية أخرى مثل رواندا وبوروندي، التي وقعت معها ‏اتفاقيات تعاون اقتصادى عام 2008، كما قام "ليبرمان" وزير الخارجية الإسرائيلى بزيارة خمس دول ‏إفريقية، منها إثيوبيا وأوغندا وكينيا من دول حوض النيل، وهو ما يعكس الاهتمام الإسرائيلى بدول ‏الحوض.‏

‏مخطط حصار
ثلاثة أهداف أساسية دفعت طهران وتل أبيب إلى حصار مصر إفريقيًا، بداية من كسب أصوات الشعوب ‏الإفريقية الفقيرة في المنطقة، مرورًا بضربها اقتصادية، نهاية بحصار مصر عبر الدول المحطية بها.. ‏وفقًا لرؤية مراقبون الشأن السياسي والإفريقي.‏

ثلاثة أهداف
الدكتور أيمن شبانة، نائب مدير مركز البحوث للدراسات الإفريقية، حدد أسباب التوجه الإيراني إلى ‏إفريقيا، في ثلاث أهداف، أولها محاولاتها لإيجاد مكان لها بين القوى الدولية التي تتسارع في القارة ‏الأفريقية على رأسهم إسرائيل وأمريكا، لاسيما مع انحصار علاقة طهران بكثير من الدول ذات الثقل ‏الإقليمي.‏

وأضاف، إلى جانب برنامجها النووي الذي تحاول طهران حشد التأييد الإفريقي له، والمصالح الاقتصادية ‏التي تسعى من خلالها لفتح أبواب استمثار إيرانية داخل السوق الإفريقية، وتحديدًا المنتجات النفطية التي ‏تمتع بها إفريقيا، فضلًا عن الثروات المعدنية التي تعج بها القارة، وتمتلك جزء كبير منها عالميًا.‏

وتابع: "من المعروف أن إيران هي رأس التمدد الشيعي في المنطقة، وتحاول التوغل في إفريقيا لزيادة ‏توسعه في القارة ، والذي يساعدها على ذلك وجود بعض التيارات الشيعية المؤيدة لها في غرب إفريقيا، ‏لضرب المملكة العربية السعودية التي تحارب فكرة التشيع".‏

منافسون كبار
سماء إفريقيا ملبدة بغيوم منافسين كبار، يختلفون عن منافسي فترة الخمسينات والستينات، فتمتلك ‏الصين 250 شركة من كبريات الشركات في إفريقيا، ونحو 2 مليار دولار على صعيد الاستثمارات، ‏كذلك أمريكا تمتلك نحو مليار دولار داخل السوق الأفريقية، وفقًا لتأكيد الدكتور مختار غباشي، نائب مدير ‏مركز الأهرام للدراسات السياسية.‏

وأضاف: "إلى جانب القوى الإقليمية الصغيرة مثل إسرائيل التي تسعى جاهدة للتغغل في قلب دول حوض ‏النيل، لتحقيق مكاسب سياسية وتأييد دولي وإقليمي لها على حساب القضية الفلسطينية، وضمان أصوات ‏العواصم الإفريقية ضد مصر، في القضايا الدولية".‏

وتابع: "الأمر بدأت انعكاساته تظهر في أمثلة عدة، منها امتناع نيجريا عن التصويت لمصر في الأمم ‏المتحدة، بشأن عضوية مجلس الأمن، كذلك تصويت كل من رواندا وإثيوبيا لصالح مرشح بلغاري لرئاسة ‏اليونسكو"‏