رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الفاشلون يمتنعون


فى غمار الشعور بالحزن والأسى والضيق لفشل المنظومة الحكومية المعنية بإدارة الأزمات فى التعامل مع أزمات مقتل الدارس الإيطالى، وحدوتة ترسيم الحدود مع المملكة السعودية، وحادثة الطائرة الروسية، وصولا لكوارث الأحداث الطائفية الدموية البشعة فى إمارة «المنيا» الموعودة بعذابات القهر والظلم والفشل فى إعمال آليات دولة القانون وتقديم الجناة للمحاكمة، وكمان أزمة التعامل مع العملاق «شاومينج» أو «ونوس» زمن التوهان، بتنا نسأل هل حقاً نعيش فى مصر «الشبه دولة» كما وصفها السيد الرئيس، أم أننا نعيش حالة خطر الاقتراب من مواصفات الدول التى تعانى من تبعات الإخفاق والفشل الإدارى والتنظيمى فى معالجة الأزمات!! لاشك أن «الدولة الفاشلة» لم توجد هكذا «قضاء وقدراً « ونصيب شعبها فى الدنيا قد كتب على جبينها، بل أرى أنه يمكنها تدارك الأخطاء بتحديد مواقع الفشل ومعالجتها لتصبح كنموذج إيجابى عبر اتباع سياسات ديمقراطية، وأساليب علمية، وإصلاحات مطلوبة تُشعر المواطن بأنها حريصة على مصالحه. لقد جاء تقرير عام 2014 - الذى غير المسمى إلى دول هشّة - ليضع عددا كبيرا من الدول العربية والإسلامية ضمن قائمة الأكثر فشلاً وهشاشة. وتم تصنيف مؤشر الدول الفاشلة 178 دولة فى العالم مستخدما 12 معيارا رئيسيا اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا لقياس مدى فشلها، من تلك المعايير شرعية الدولة، واحترام حقوق الإنسان، وسيادة حكم القانون، ومظالم المجموعات، والتنمية غير المتوازنة. فى مجتمع رجال الاقتصاد من الأساتذة ورجال الأعمال يؤكد الاقتصاديون أن مشكلتنا فى مصر وفى أى مجتمع نام هى مشكلة اقتصادية فى المقام الأول، وأن أزمة الأمة تكمن فى إنتاج ضئيل يقابله استهلاك واستيراد بشكل هائل، ومن جانب آخر زيادة فى السكان يقابلها ثبات بل وتقلص فى مساحات الأراضى المزروعة.. فهم يرون أن الحياة والتقدم فى النهاية ترتكز على ثلاثة مقومات رئيسية: الإنسان والمال والأرض «والأرض هنا بكل ما تحمل من ثروات فوقها وتحتها» وهو ثالوث تتفاعل بين عناصره كل عوامل بناء الاقتصاد المؤثر فى تحقيق نهضة الأمم.. وبينما يعلى بعضهم من قيمة أن يكون لدينا احتياطى نقدى كبير فى خزائن البنك المركزى، يرى الآخرون فى ذلك التضخم دلالة على الفشل، إذ أن تضخم ثروة راكدة لاتتدفق فى عروق الاقتصاد وشرايين مواقع الانتاج لتتحول إلى فرص عمل وخير عميم للوطن والمواطن يعد دلالة إخفاق..

وفى دنيا الإدارة يملأ الدنيا علماء الإدارة كلاما رصينا ستفهم منه أن منطلق البدء فى الإصلاح والتطوير هو الاستفادة بعلمهم وإعمال نظم الإدارة الحديثة وأن التحسين والتمكين والتجويد وتحقيق القيم المضافة والإدارة المثلى والموارد البشرية وحتمية وجود رؤية ورسالة هى عناوين ومفاتيح يمتلكون فنونها وأسرار إبداعها.. وأما إذا ألمت بالوطن الملمات فإن فنون وعلوم إدارة الأزمات والكوارث هى الملاذ والوادى الأمين الذى يتلاشى أو على الأقل تتصاغر عنده الآثار السلبية المحتملة للكوارث مثل غرق العبارات واحتراق القطارات ومسارح قصور الثقافة!!.. أما فى عالم السياسة فإن السياسة والسياسيين يرون أن الإرادة السياسية، ومن ثم القرار السياسى هو القادر على إحداث التحول والشروع فى السير فى مسيرة الإصلاح والتطوير ونهوض الأمم وإقالتها من عثراتها.. إلا أن رجالات السياسة وقادتهم ورجال الفكر السياسى يتشيعون فى مذاهبهم وتوجهاتهم.... ورغم أن من بينهم أيضا من ينضم إلى الحزب الحكومى مثلا، بل ويوافق على الانضمام لعضوية أكثر اللجان تعبيرا عن توجهات الحزب.. فإنه فى لحظة يخرج علينا فى كل قنوات العالم وصحفه بخبر الاستقالة من باب ادعاء الصدق الوطنى والممارسة السياسية النموذج، والبطولة الأولى بالضجيج الإعلامى ولا تسأله ما الذى تغير فى حزب انضم إليه بالأمس ثم تركه فى الغد.. بينما الجميع يعلم أن الحال فى مثل تلك المؤسسات فى الدول النامية لا يتغير بهذه السرعة بين عشية وضحاها!! إننا نحتاج إلى فكر جديد يطرح عنا قتامة مشاعر اليأس إلى منطلقات التوجه، بل والتمكن من كل أسباب القوة والبأس.. فإن النجاح مثلاً فى التغلب على الأمية وسلبياتها لن يصنعه إنشاء هيئة لمحو الأمية فقط، وتحقيق طفرة فى التعليم لن يتحقق بإنشاء هيئة للجودة فقط.. وحقوق الناس لن ينالوها ويتمكنوا منها بإنشاء مجلس قومى لحقوق الإنسان فقط.. والمرأة فى مصر لن تصل إلى حقوقها «التى لا أعرف مابقى منها» بمجرد إنشاء مجلس قومى للمرأة فقط... لقد تجاوزنا مراحل التعرف على أعراض أمراض المجتمع، وتشخيص وتوصيف مناطق الداء تحديداً وأوجاعها.. ومن يخالفنى الرأى عليه الاطلاع على المراجع الفكرية والعلمية التى أصدرتها المجالس القومية المتخصصة فى عهد العبقرى الدكتور عبد القادر حاتم .. وكذلك الدراسات العلمية للجان مجلس الشورى الراحل.. بالإضافة للحصيلة الهائلة لإنتاج كل مراكز البحوث فى جامعاتنا وغيرها. أخيرا أرى أنه بدلاً من اللوم وإلقاء التهم على أى آخر والحديث عن المؤامرات، علينا أن نحشد كل قوانا حتى يتم سد كل الثقوب.. فلم يعد هناك مجال لأن نقول ملك ولاٌ كتابة.. أقصد حكومة ولاٌ شعبا.. وصدق الخليفة عمر بن الخطاب عندما قال «إذا أراد بقوم سوء سلط عليهم الجدل، ومنعهم العمل».