رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

المشهد التركى.. قراءة هادئة


رغم اعتقادى الشخصى، بأن ما حدث فى تركيا مؤخراً، هو مجرد تمثيلية وسيناريو تم الإعداد المسبق له، من قبل السلطان العثمانلى أردوغان، للتخلص التام من معارضيه وخصومه السياسيين، وضمان الانفراد الاستبدادى له بالسلطة، إلا أنه من الواضح أن تركيا لن تعود هى تركيا قبل 15/7، وأن أردوغان نفسه لن يكون هو أردوغان ما قبل هذا التاريخ.

سيناريو الانقلاب المزعوم، كان يفتقد لأبسط أبجديات الانقلابات العسكرية، فما بالنا وأن هذا الانقلاب يحدث فى دولة غنية بالانقلابات «آخرها عام 1997 الذى تم ضد زعيم حزب الرفاه الراحل نجم الدين أربكان، أستاذ أردوغان السياسى»، إذ لا يمكن تصور انقلاب لا تكون أولوياته اعتقال رئيس البلاد وأعضاء حكومته، بل يتم السماح له بالطيران بحريّة، ولا يمكن تصور انقلاب يستولى على الإذاعة والتليفزيون ويتخلى عنهما بسهولة وفى أقل من ساعتين، كذلك لا يمكن تخيل أن يستسلم جنود الانقلاب المزعوم بهذه البساطة والصورة التى شاهدناها على الشاشات الفضائية، ويتم اعتقالهم وضربهم وتعريتهم بل وسحل بعضهم فى الشوارع دون أن يدافعوا حتى عن أنفسهم.!

المثير للدهشة، أنه وفى أقل من 12 ساعة، تظهر لنا كشوف «البركة الأردوغانية» والتى طالت اعتقال وعزل أكثر من 10 آلاف شخص، فى الجيش والشرطة والوزارات المدنية والإعلام، والقضاء التركى، ما يعنى أنها «مدبّرة» ومُعدّة مسبقاً، بزعم التنظيم الموازي، المقصود به جماعة المعارض المقيم فى أمريكا فتح الله غولن، إضافة للحديث الرسمى عن إعادة عقوبة الإعدام للتطهير الأكبر حسبما قال وتوعد أردوغان نفسه.. وهو ما جلب سخط الدول الأوروبية والغرب عموماً، والذى رأى فى العملية انتقاماً غير مسبوق. وهنا، ما يهمنا فى مصر، هو تلك الازدواجية فى التعامل الأردوغانى المتسلط، الذى اعتبر أن خروج بضعة آلاف من أنصار حزب العدالة والتنمية للشوارع لإعادته للسلطة، هو إرادة شعب، بينما كانت الملايين التى خرجت فى شوارع مصر لعزل جماعة الإخوان الإرهابية، مجرد صور فوتوشوب.!

كما أن اعتقال عشرات أو مئات من الجماعة الإرهابية وأنصارها فى مصر ممن تورطوا فى العنف أو ساعدوا عليه، هو عمل غير مشروع، بينما يستحل أردوغان اعتقال هذه الآلاف من الضباط والقضاة وموظفى الدولة والإعلاميين لمجرد الاشتباه فى مساندة الانقلاب المزعوم باسم الشرعية والديمقراطية والحرية.؟ صحيح أن الأيام المقبلة قد تكشف الكثير من هذا السيناريو الانقلابى، الذى لمحت إليه وسائل إعلام غربية، ولكن من المؤكد أن أردوغان ومعه تركيا نفسها، قد خسرا الكثير، أولها أن المعارضة التى وقفت ضد الانقلاب المزعوم، لن ترضى بأى فرصة أردوغانية لمزيد من القمع والاستبداد، وأعتقد أن أردوغان سيجد نفسه بعد أسابيع قليلة بمواجهة حائط صدٍّ كبير لأطماعه وأوهامه.

والأهم أن صورة الجيش التركى التى تم تسويقها بصورة مخزية، انطلاقاً من كراهية أردوغان الدفينة ـ شأن جماعة الإخوان الإرهابية ـ لن تستمر طويلاً فى قبول الإهانة العميقة التى تعرض لها الجيش كمؤسسة صارمة، تقف حارسة للعلمانية فى البلاد، وهذا ربما يكون هو أساس أو الهدف من محاولة الانقلاب، لفرض نظام أردوغانى آخر ينهى العلمانية تماماً، وهو ما سيواجه بحملة رفض شديدة فى المجتمع التركى المتطلع للحاق بركب الاتحاد الأوروبي، وهذه مهمة يبدو أنها شديدة الصعوبة خلال هذا العقد على الأقل. السؤال الدائر الآن.. هل يمكن أن يسكت الجيش التركى عما لحق به على يد عصابات أردوغان؟ لا أعتقد.. والأيام حُبلى بالمفاجآت.!