رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بعد 64 عاماً على ثورة يوليو.. هل حققت أهدافها؟


احتفلنا أمس بالذكرى الرابعة والستين على أعظم ثورات الشعب المصرى.. ثورة 23 يوليو 1952 الذى خرج فيها الجيش المصرى العظيم ليبدد ظلمة ليل حالك السواد أحاط بالوطن فى كل مكان فكان فجراً جديداً أيده الشعب المصرى فحول الانقلاب العسكرى إلى ثورة بيضاء تسعى إلى تحقيق أهداف ستة، ثلاثة منها بناء وثلاثة هدم لأركان عصر شاع فيه الظلم والاستعباد...


... فكان تحالف الرأسمالية مع الإقطاع مع الاستعمار الناهب لثروات الشعب والسيطرة على القرار لذلك كان أول قرارات الثورة بعد إزاحة الملك هو الإصلاح الزراعى وتحديد الملكية الزراعية وتمليك الإجراء من الفلاحين الأرض التى روها بعرقهم على مدى سنوات عمرهم مكونة طبقة وسطى لم يعرفها الوطن فى العهد البائد وشرعت الثورة يعد ذلك تطهر البلاد من استعمار طالت أيامه فوقعت اتفاقية الجلاء وبعدها عملت على إحلال الرأسمالية الوطنية محل الرأسمالية المتوحشة وبهدم أسباب التخلف والظلم بدأت فى نفس الوقت تبنى أهدافها الأخرى العظيمة من إقامة عدالة اجتماعية عاشت فى كنف مبادئ العدالة والمساواة وتكافؤ الفرص التى أنشأت مجتمع الكفاية والعدل وسعت الثورة العظيمة إلى إقامة الجيش الوطنى الذى يحمى حدود الوطن ويحافظعلى وحدة أراضيه وأقام ديمقراطية الحوار والمناقشة من خلال التنظيم الواحد والذى تحول إلى تنظيم تحالف كل قوى الشعب العامل ولم ينشئ ديمقراطية الأحزاب التى حلها فى بدايات الثورة ولم تعد إلى البلاد إلا بعد رحيل قائد الثورة ومفجرها الخالد جمال عبد الناصر على يد خليفته الشهيد محمد أنور السادات بعد أن اصدر قرار العبور ليغسل به عار الهزيمة واستعاد الأرض المقدسة بمعركة غير مسبوقة امتزجت فيها دم أبناء الوطن الواحد من مسلمين ومسيحيين وشق هتافهم المنطلق من حناجرهم الوطنية المؤمنة عنان السماء وكانت صيحة الله أكبر تزلزل الأعداء.

وبعد مرور 64 عاماً من قيام الثورة المجيدة يتردد السؤال هل حققت الثورة أهدافها؟ وإذا كانت حققتها فى زمن جمال عبدالناصر وحققت العدالة الاجتماعية فى مجتمع زراعى صناعى يأكل من فاس فلاحه ويلبس من مصانع بلده وبنت السد العالى ليرشد فيضان النيل ويولد الكهرباء اللازمة لتشغيل المصانع وإنارة القرى التى كانت تعيش فى ظلام دامس قبل 23 يوليو وكان مكتب تنسيق القبول فى الكليات الجامعية عنواناً للعدالة وتكافؤ الفرص ولم تكن فى معايير القبول هنا وهناك اختبار السمات أو كشف العائلة بل كان الطالب يفخر بوالده الفلاح أو العامل فهل حافظت مصر على كل هذه المكتسبات بعد رحيل عبد الناصر بل ما الذى تبقى من مصر عبد الناصر التى خاضت حروبا ضد الاستعمار فى أفريقيا وآسيا وأمريكا اللاتينية وأجبرته على حمل عصاه ويرحل من البلاد التى احتلها فى أزمنة سابقة؟!!

نتأمل مجتمعنا فنرى مصر ارتدت إلى الخلف بسرعة وقوة فمجتمع النصف فى المائة التى ثار عليه الشعب والجيش عام 52 عاد وسيطر من خلال الرأسمالية المتوحشة، ثمرة زواج المال بالسلطتين التنفيذية والتشريعية التى تأخذ ولا تعطى تنهب وتدوس على القانون الذى منح إجازة طويلة ليعم الظلم الاجتماعى وتنتشر البطالة بين الشباب الذى أظلمت الدنيا أمام عينيه.

ويدور سؤال بين الشعب وشبابه هل من مخرج لما نحن فيه؟!.. هل يوجد حل لإنقاذ البلاد من المصير الذى تدفع إليه من القوى المتربصين بالوطن والذى أحزنها وآلمها وحدة الشعب مع الجيش ونجاحهما معاً فى وقف المخطط الغربى المعادى وإزاحة الحكم المتحالف معه؟!

والإجابة نعم ولكن بسياسات جديدة تتجنب نصائح وتوجيهات صندوق النقد الدولى وتستنسخ تجربة طلعت حرب باشا فى البنك القائد للتنمية والمنشئ للشركات فى جميع المجالات الصناعية والتجارية والثقافية والتعليمية والفنية والسياحية وعرضها على الشعب فى شكل أسهم يمتلكون بها تلك الشركات مع إنشاء نظام ضريبى حديث يحقق العدالة الاجتماعية يماثل ما فى دول الغرب يأخذ بالضريبة التصاعدية على الدخل والضريبة على الأرباح الرأسمالية فى البورصة وفى الوقت نفسه يوقف دعم الطاقة للمصانع كثيفة الاستخدام لها ويبيعها لها بسعر استيرادها، مع العمل على تحقيق الاكتفاء الذاتى فى الغذاء بالتوسع فى زراعة القمح والفول ورد الاعتبار للقطن وإيقاف الاستيراد الترف والسفيه وقصره على مكونات الصناعة وقطع الغيار والقمح لحين تحقيق الاكتفاء الذاتى منه وحماية الصناعة الوطنية بالقضاء على كل منافذ التهريب وتذليل كل الصعاب التى تواجه المستثمرين ويكون هذا كله بشن حرب لا هوادة فيها نقطع دابر الفساد والمفسدين ونطهر وزارتنا ومؤسساتنا منه مع ضرورة الاتفاق مع الصناع والتجار على هامش ربح معقول حتى لا يقع المستهلك الغلبان فريسة للمحتكرين وهذا كله لا يكون إلا من خلال تقوية نظامنا الحزبى وتفعيل دور البرلمان فى الرقابة والتشريع وأحسب أنه بعد سنوات قليلة من التنفيذ الجاد لكل هذا نحقق لبلادنا ما نحلم به من مجتمع الكفاية والعدل يستعيد مكانة عربية وأفريقية مفقودة وتضمن أن يتدفق النهر العظيم متبختراً بين ضفتيه إلى مصبه فى دمياط ورشيد ليروى عطش الأرض والإنسان والحيوان والنبات والجماد.