رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بين رفض الانقلاب.. ورفض العسكريين


مرة أخرى أعود لأقول إن ما سمى بانقلابات عسكرية عربية لم تكن انقلابات ولا كانت عسكرية، حيث أدت إلى تغييرات جذرية فى المجتمعات العربية ورغم ما قيل عن سيطرة العسكريين على الدول أسأل عن: هل كان صدام حسين عسكرياً؟ وهل اعتمد حافظ الأسد على الجيش أم على حزب البعث فى السيطرة على سوريا؟


حينما يتشرف المقال بأن يقرأه القارئ يكون عيد الثورة العيد القومى لمصر قد مر للتو، بينما يكثر الضجيج حول الانقلاب الفاشل فى تركيا، وكأننا انتقلنا إلى مباراة بين فريقى الأهلى والزمالك، فكأنما أصبحنا فريقين كل منهما يسفه الآخر أو يبين نقاط ضعفه، بينما أرى آخرين ينتهزون الفرصة للتقليل من شأن يوليو خاصة أولئك الذين انتهزوا فرصة 25 يناير ليدعوا أنهم أبطال وثوار «ولآخر مدى ثوار». وبهذه المناسبة قرأت مقالاً فى بريدى الإلكترونى بعنوان « لماذا نرفض الانقلابات العسكرية»، وهو يأتى فى سياق الحديث عن الانقلاب الفاشل فى تركيا، ومبدئياً ألاحظ أن الكاتب لا يوضح عم يتحدث رغم أنه لا يتوانى عن نقد النظام فى مصر، وفى الوقت نفسه ألاحظ فى كتاباته كراهيته للعسكريين وينضح ذلك على مقالاته وأرى أنه يعيش على أرض مصر فى أمان بما يتنافى مع ما ينشره عن تقييد الحريات. أخيراً فقد فصل الكاتب فى مقاله عشرين سبباً لرفضه ما يسميه الانقلابات العسكرية.

مبدئياً وقبل أن نتحدث عن الثورة ألاحظ أن السيد الكاتب قد أورد فى مقاله ما اعتبره عشرين سبباً لرفض الانقلابات العسكرية وهو فى الحقيقة ربما يكون بعيداً عن أن يكون سبباً لرفض الانقلابات العسكرية فضلاً عن أى انقلابات عموماً، وبالمرة ربما ألاحظ من خلال قراءة المقال ضعف الكاتب فى الالتزام بقواعد النحو والصرف، وكنت أتمنى أن يبذل عشر جهده فى المقال، وأسباب رفضه للانقلابات العسكرية يبذل هذا الجهد فى العناية باتباع قواعد النحو والصرف وصحة الأسلوب العربي.

كذلك لا بد من أنى قد أتفق جزئياً مع كاتب المقال فى رفض الانقلابات ولكنى لا أتوقف عند الانقلابات العسكرية فقط وإنما أرفض الانقلابات عموماً بما فيها الانقلابات العسكرية فى حال وجودها، وأرفض محاولة الانقلاب الفاشلة فى تركيا وإن كنت لست متأكداً من أن ما حدث محاولة انقلاب، فالانقلاب فى رأيى وعلمياً هو تغيير فى الحكم بالإطاحة برأس الدولة دون تغيير جذرى فى المجتمع، والانقلابات غير العسكرية فى أمتنا العربية منتشرة وهى فى أغلبها ما ينطبق عليها وصف انقلابات القصر، أى أن يتولى قيادة الانقلاب أحد أفراد القصر أو الأسرة الحاكمة، وفى كثير من الأحوال تولاها ولى العهد وابن رئيس الدولة فى الأسر المالكة، أما ما يسمى بالانقلابات العسكرية فى الوطن العربى وغالباً ما يقصد به ثورة 23 يوليو، والتى أعتبرها الثورة الوحيدة فى مصر، وهى أم الثورات فيما يسمى بالعالم الثالث، فقد رأى البعض أنها بدأت بانقلاب، وأنها تحولت بعد ذلك إلى ثورة بينما يصر آخرون على أنها انقلاب. والحقيقة أنه ربما كان من الصعب الحكم على ثورة يوليو فى شهرى يوليو وأغسطس 1952 فى حين أن صدور قانون الإصلاح الزراعى فى التاسع من سبتمبر 1952 كان وما زال كافياً لمعرفة أنها ثورة، فإن صدور هذا القانونكان مؤشراً على انتقال نسبة كبيرة من الشعب المصرى من طبقة الأجراء إلى طبقة الملاك، وعلى انتهاء سيطرة الأجانب على مصر. أى أننا انتقلنا من مجتمع النصف فى المئة، إلى مجتمع التسعة وتسعين فى المئة.

مرة أخرى أعود لأقول إن ما سمى بانقلابات عسكرية عربية لم تكن انقلابات ولا كانت عسكرية، حيث أدت إلى تغييرات جذرية فى المجتمعات العربية ورغم ما قيل عن سيطرة العسكريين على الدول أسأل عن: هل كان صدام حسين عسكرياً؟ وهل اعتمد حافظ الأسد على الجيش أم على حزب البعث فى السيطرة على سوريا؟ وهل كان وزراؤه عسكريين، وحتى من جاء عن طريق الجيش مثل العقيد معمر القذافى رحمه الله، فقد حرر ليبيا واستخدم كثيراً من المدنيين فى تنمية ليبيا، والادعاء بأنه اعتمد على العسكريين غير صحيح وبدليل أنه بعد وفاته لم تنصلح الحال فى ليبيا، كما لم تنصلح حال أى من العراق أو سوريا أو اليمن، وقد لجأوا إلى العمل من أجل تنمية بلادهم ونجحوا أحياناً وفشلوا غالباً، ليس لكونهم عسكريين وإنما لأن مجتمعاتهم لم تنضج بشكل كاف لتحقيق التنمية المطلوبة.

يقول الكاتب اللوذعى إن من أسباب رفضه للانقلابات العسكرية أنه «ليس صحيحاً أن العسكريين هم أكثر فئات الشعب وطنية، وهو ما اعتقد أن أحداً لم يدعيه وأن جميع الدول التى انضم فيها الجيش إلى ثورات الشعب اعتمدت على وزراء من المدنيين ومجالس بها من المدنيين كثير. كما أن الكاتب يقول إن الانقلابات العسكرية تخضع كل مؤسسات الدولة لمؤسسة واحدة. ولم يذكر لنا مثالاً واحداً على ذلك!