رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى «2-2»


إن كنت فـى أمرك فـى حيرة عمياء وأذن الآخرين عن سماعك صماء وأصابتك الضراء، فاعلم أن ربك يسمع ويرى ولسوف يعطيك ربك فترضى وليذيقنك نعماء بعد ضراء... إن لم يفهمك إلا القلة فسنجعلهم لك نعم الخلة ولسوف نعطيك ونرضيك ألم نجنبك فعل الرذيلة وأكرمناك بالأخلاق الكريمة الفضيلة!؟

القرآن كله كتاب كريم، وهو تنزيل من رب العالمين، كله آيات كريمات تسيطر على القلب والعقل، وتسهم فى تعديل المسارات الحياتية، وتشكل حياة الانسان فتغطيها بالسرور والرضى فى كل الأحوال والظروف. من هذه الآيات الكريمات «وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى».

ذكرنا فى المقال السابق بعض النظرات فى تفسير تلك الآية الكريمة وهنا نذكر ما قاله بعض المفسرين الآخرين. «ففى تفسير القرطبى نقرأ أن قد روى سلمة عن ابن إسحاق قال: «وللآخرة خير لك من الأولى»، أى ما عندى فـى مرجعك إلـىَّ يا محمد، خير لك مما عجلت لك من الكرامة فـى الدنيا. وقال ابن عباس: أرى النبـى صلى اللّه عليه وسلم ما يفتح اللّه على أمته بعده؛ فسر بذلك؛ فنزل جبريل بقوله: « وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى». قال ابن إسحاق: الفلج فـى الدنيا، والثواب فـى الآخرة. وقيل: الحوض والشفاعة. وعن ابن عباس: ألف قصر من لؤلؤ أبيض ترابه المسك. رفعه الأوزاعى، قال: حدثنـى إسماعيل بن عبيدالله، عن علـى بن عبدالله بن عباس، عن أبيه قال: أرى النبـى صلى اللّه عليه وسلم ما هو مفتوح على أمته، فسر بذلك؛ فأنزل اللّه عز وجل «والضحى - إلى قوله تعالى - ولسوف يعطيك ربك فترضى»، فأعطاه اللّه جل ثناؤه ألف قصر فـى الجنة، ترابها المسك؛ فـى كل قصر ما ينبغـى له من الأزواج والخدم.

وعنه قال: رضـى محمد ألا يدخل أحد من أهل بيته النار. وقال السدى. وقيل: هـى الشفاعة فـى جميع المؤمنين. وعن علـى رضـى اللّه عنه قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم: «يشفعنـى اللّه فـى أمتـى حتى يقول اللّه سبحانه لى: رضيت يا محمد؟ فأقول يا رب رضيت». وفـى صحيح مسلم عن، عبدالله بن عمرو بن العاص أن النبـى صلى اللّه عليه وسلم تلا قول اللّه تعالى فـى إبراهيم: « فمن تبعنـى فإنه منـى ومن عصانـى فإنك غفور رحيم » «إبراهيم: 36» وقول عيسى: «إن تعذبهم فإنهم عبادك» «المائدة: 118»، فرفع يديه وقال: «اللهم أمتـى أمتـى»وبكى. فقال اللّه تعالى لجبريل: «اذهب إلى محمد، وربك أعلم، فسله ما يبكيك» فأتى جبريل النبـى صلى اللّه عليه وسلم، فسأل فأخبره. فقال اللّه تعالى لجبريل: «اذهب إلى محمد، فقل له: إن اللّه يقول لك: إنا سنرضيك فـى أمتك ولا نسوءك».

وقال علـى رضـى اللّه عنه لأهل العراق: إنكم تقولون إن أرجى آية فـى كتاب اللّه تعالى: « قل يا عبادى الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله » «الزمر: 53» قالوا: إنا نقول ذلك. قال: ولكنا أهل البيت نقول: إن أرجى آية فـى كتاب اللّه قوله تعالى: «ولسوف يعطيك ربك فترضى». وفـى الحديث: لما نزلت هذه الآية قال النبـى صلى اللّه عليه وسلم: «إذا واللّه لا أرضى وواحدمن أمتـى فـى النار».

ويقول الشيخ عبدالعزيز أمين عن هذه الآية «إن عصفت بك عواصف الهم وزلزل قلبك الغم، وأغرقك أمواج الحزن، واجتمعت عليك المصائب ونوائب الدهر، وكثر عليك المصاعب فاهتف باسم رب المشارق والمغارب وسيزول كل تلك المتاعب. إن ضاق صدرك بالهموم والغموم فاهتف يا حـى يا قيوم فسترضى بالمقسوم».

إذا الهم طغى وبغى وكل من صاحب رجوته اتبع هواه فهوى وغوى وودعك وقلى، ولم تعرف كيف تستقيم على طريقتك الأولى والفرح اختفى وتولى فاذكر شديد القوى محيى الموتى الذى أنشأك النشأة الأولى فهو قادر على أن يعيدك سيرتك الأولى إن وجدك عبدا، إذا ذكر ربه صلى ونهى النفس عن الهوى وكان على الهدى.

إن ابتليت بمصيبة تحل النقم وذنوب تغير النعم وحرمان ورث الندم وإن زللت للحصول على مريدك، وذكرتنا فنحن نغفر الزلة ونضع عنك وزرك، وإن أذلك مريدك فنحن نجبر تلك الذلة وننقض ظهرك ونشرح صدرك ونرفع لك ذكرك... إن همت نفسك بالمعصية وابتليت بارتكاب السيئة فأكرمناك بفعل الحسنة ومحونا عنك الخطيئة.

إن كنت فـى أمرك فـى حيرة عمياء وأذن الآخرين عن سماعك صماء وأصابتك الضراء، فاعلم أن ربك يسمع ويرى ولسوف يعطيك ربك فترضى وليذيقنك نعماء بعد ضراء... إن لم يفهمك إلا القلة فسنجعلهم لك نعم الخلة ولسوف نعطيك ونرضيك ألم نجنبك فعل الرذيلة وأكرمناك بالأخلاق الكريمة الفضيلة!؟

إن أحاطك الشيطان ولم تجد من يعطيك الحنان، فتذكر الرحمن الذى وسعت رحمته كل شىء المنان خالق الأكوان الذى أغرقك بالنعم على مر الأزمان، فاعتصم بالقرآن فهو الركن إن خانتك أركان ولسوف يعطيك ربك ما لم يكن فـى الحسبان وكل منه إحسان.

إذا ابتغيت أمراً ولم تبلغه و منعك الآخرون فما كان عطاء ربك محظوراً بل ممنوح يغدو ويروح. إن طلبت ذوى الشأن وردوك فتذكر ربك الذى كل يوم هو فـى شأن يعز ويزل يضيق ويوسع يبتلـى فلان بالمحنة ويدفع عن علان النقمة وذلك منه منة. يقـى الإنسان شر نفسه وسلمه من شرور خلقه يسهل الشديد ومنجز الوعيد». نعم آيات القرآن كلها ومنها آيات أرجى عند المسلمين لما فيها من أسرار وأحكام وحكم عظام. وبالله التوفيق