رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكراها الرابعة والستون.. "23 يوليو" ثورة مصرية أقرت مصير العرب.. أطاحت بالاستعمار الفرنسي في الجزائر.. ودعمت الثورة العراقية.. ووحدت بين مصر وسوريا.. وبسطت نفوذها في حرب اليمن

جريدة الدستور

64 عامًا من التحرر عاشتها مصر خارج شرنقة الحكم الملكي، بعد أن اقتنصت استقلاليتها من غلال الملكية، ودمرت آخر حصونها برحيل الملك فاروق خارج البلاد، لتطوي المحروسة آخر صفحاتها ، وتسطر لبداية الجمهورية التي أعلنت في 18 يونيو 1953، بعد عاٍم من قيام ثورة 23 يوليو 1952، والتي تحل ذكراها اليوم.
ولم تكن الثورة إعلانًا لاستقلال الكنانة وحدها، وإنما جاءت لتطلق شرارة الثورات العربية تارة، وترسخ أسسًا إقليمية جديدة تارة أخرى، الأمر الذي أعطى مصر دفعة قوية لريادة الأمة العربية.. وبعد مرور أكثر من ستة عقود على ثورة 23 يوليو، تستعرض الدستور أبرز التغيرات السياسية والتحولات التاريخية الفارقة التي شهدتها العديد من الدول العربية في أعقاب الثورة المصرية.

انصب التركيز المصري في سياسته الخارجية منذ عام 1952، على الدائرة العربية حيث اهتمت الثورة بقضية فلسطين التى كانت فى مقدمة قضايا التحرر الوطني، كما قدمت العديد من أشكال الدعم لحركات التحرر الوطنى فى الجزائر، وتونس، والمغرب، واليمن، والعراق، والسودان، وليبيا، وألتقت الحركات الوطنية فى العالم العربي مع الثورة المصرية وتجاوبت مع فكرها.

الجزائر
وكانت الجزائر القبلة العربية الأولي التي شهدت انعكاسًا واضحًا إبان الثورة المصرية التي وصلت شرارتها إلى دول المغرب العربي بعد عامين من اندلاعها، وفي 1 نوفمبر عام 1954، اطلقت جبهة التحرير الوطني الجزائرية مسيرتها التاريخية لإسقاط الاستعمار الفرنسي آنذاك، لتستمر ثورة المليون شهيد لمدة 7 سنوات ضد المستعمر الفرنسي.

وكان دعم مصر للثورة الجزائرية منذ الخمسينات والستينات واضحًا للجميع، ما دفع "كريستيان بينو" وزير خارجية فرنسا آنذاك، إلى التأكيد أن التمرد في الجزائر لا تحركه سوى المساعدات المصرية، قائلًا: "إذا توقفت هذه المساعدات فإن الأمور كلها سوف تهدأ، لوجود مليون مستوطن فرنسي في الجزائر"، وهو ما ترتب عليه اشتراك فرنسا في العدوان الثلاثي على مصر.

كما أن الدعم المصري الذي حظت به ثورة الجزائر، دفع "بن جوريون" أول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي إلى قول: "على أصدقائنا المخلصين في باريس أن يقدّروا أن عبد الناصر الذي يهددنا في النقب، وفي عمق إسرائيل، هو نفسه العدو الذي يواجههم في الجزائر"
وفي إطار الدعم العسكري المشترك، تلقت الجزائر، أكبر شحنة من السلاح المصري أثناء القتال على الجبهة المصرية وقت العدوان الثلاثي الذي تعرضت له مصر، إلى أن سقط الاستعمار الفرنسي في 5 يوليو 1962.

سوريا:

وحلت سوريا بوصفها ثاني محطات الإنجازات العربية عقب قيام ثورة 23 يوليو، حيث أعلنت الوحدة بين مصر وسوريا في 22 فبراير 1958، بتوقيع ميثاق الجمهورية المتحدة من قبل الرئيسين السوري شكري القوتلي والرئيس جمال عبد الناصر، الذي اختير رئيسًا للجمهورية العربية المتحدة، والقاهرة عاصمة لها.

وفي عام 1960 تم توحيد برلماني البلدين في مجلس الأمة بالقاهرة وألغيت الوزارات الإقليمية لصالح وزارة موحدة في القاهرة، إلى أن أنهيت الوحدة بينهما عقب أحداث الانقلاب العسكري الذي شهدته دمشق في 28 سبتمبر1961.

وأعلنت سوريا عن قيام الجمهورية العربية السورية، بينما احتفظت مصر باسم الجمهورية العربية المتحدة حتى عام 1971، إلى أن عندما سميت باسم "جمهورية مصر العربية".

العراق

وامتدت أواصر نجاح الثورة المصرية إلى بلاد الرافدين، حيث أدى تفوق حركة الضباط الأحرار في مصر، خلال ثورة 23 يوليو 1952، إلى تشجيع الضباط العراقيين بالثورة على نظام الحكم.

وفي 14 يوليو 1958، قامت الثورة العراقية التي أطاحت بالملك فيصل الثاني ملك العراق، واختلف المؤرخون في تقييم نظام الحكم الملكي كما اختلفوا في تسمية الحركة ما بين الانقلاب والثورة.

وحظت الثورة العراقية، باهتمام مصري بالغ، حتى أن عبد الناصر ألقى خطابًا خاصًا أعلن فيه أن أي اعتداء على ثورة العراق يعتبر اعتداءُ على الاتحاد بين مصر وسوريا، كما أرسل الوفود الرسمية والشعبية لدعم الحركة، داعين ومرحبين لدخول العراق في الاتحاد العربي.

اليمن
ومن العراق إلى اليمن، حيث قامت ثورة 26 سبتمبر عام 1962، ضد المملكة المتوكلية اليمنية في شمال اليمن، والمعروفة بحرب اليمن التي استمرت ثمان سنوات حتى عام 1970، وقامت خلالها حرب أهلية بين الموالين للمملكة المتوكلية وبين المواليين للجمهورية العربية اليمنية.
وتلقى الإمام البدر ملك اليمن آنذاك، الدعم السعودي، والأردني، والبريطاني، بينما تلقى الجمهوريين الدعم المصري من الرئيس جمال عبد الناصر.

وأرسل عبد الناصر ما يقارب من 70 ألف جندي مصري، وعلى الرغم من الجهود العسكرية والدبلوماسية، وصلت الحرب إلى طريق مسدود، بعد أن واصلت السعودية دعمها للإمام بدر، وهو ما أدى إلى استنزاف طاقة الجيش المصري وأثرت على مستواه في حرب 1967.

وأدرك عبد الناصر، صعوبة إبقاء الجيش المصري في اليمن، إلى أن انتهت المعارك بانتصار الجمهوريين وفكهم الحصار الملكي على صنعاء في فبراير 1968، كذلك انسحاب بريطانيا من جنوب اليمن، ليتم إعلان قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية.

ليبيا
وفي 1 سبتمبر عام 1969، قامت ثورة الفاتح في ليبيا، والتي استمدت روحها من ثورة 23 يوليو، بعد أن تحرك الملازم معمر القذافي ومعه ما عرفوا "بالضباط الوحدويين الأحرار" في الجيش الليبي، أسوة بتنظيم "الضباط الأحرار" في مصر.

وتوجه التنظيم الليبي، تجاه مدينة بنغازي لتحرير مبنى الإذاعة و محاصرة القصر الملكي، ومن ثم سارع ولي العهد وممثل الملك بالتنازل عن الحكم، حيث كان الملك محمد إدريس السنوسي خارج البلاد في رحلة لتلقي العلاج في تركيا.

واهتم الرئيس جمال عبدالناصر، بمراقبة الوضع وتطوارته في ليبيا، وكانوا على اتصال مع قيادة الثورة الليبية، ومعمر القذافي، و اقترح عبد الناصر إقامة الملك الليبي السابق إدريس السنوسي في القاهرة، حتى لا يصبح عرضة للتأثير الأمريكي في أثينا، وهو ما رحب به معمر القذافي.