رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

الرجل تدب.. مطرح ما تحب


«الرجل تدب مطرح ما تحب» هو مثل شعبى حقيقى وصادق للتعبير عن سلوكيات الإنسان نحو البيئة الأولى التى نشأ فيها فى فترة شبابه المبكر».

أذكر أن والدى الأستاذ بديع عبد الملك «1908 – 1979» كان من رجال الآثار المصرية إذ كان يعمل كمتخصص فى الخط الفرعونى بالمتحف اليونانى بالإسكندرية، وكان يصطحبنى – وأنا طفل – إلى مناطق الإسكندرية القديمة سيراً على الأقدام، ويسرد على مسامعى تاريخ كل منطقة وما تحويه من آثار يونانية ورومانية. وكان فى هذا الحال أجده فى قمة النشوة والحب. وعندما سافرت للدراسة بالخارج كان يشجعنى على التردد على المتاحف المختلفة والتعرف على كل شىء. ومن هنا تولد بداخلى حب للآثار المصرية الغنية بثرائها المتنوع.

أستاذ الجامعة الذى قضى عمره فى البحث العلمى بحثاً عن الحقيقة، يجد متعته الفكرية فى مكتبه أو مكتبة الجامعة أو مختبره العلمى فى البحوث العلمية الصادقة. وحتى وهو فى منزله الكتاب لا يفارق يديه، وفى سفرياته إلى الخارج يحرص على حضور المؤتمرات والندوات العلمية والمناقشات العلمية النافعة، ويحرص على مطالعة أحدث البحوث العلمية ويحاول الاستفادة منها.

أذكر للبابا كيرلس السادس «1959 – 1971» البطريرك 116، قضى فى حياة الرهبنة فى الفترة «26 يوليو 1927 – 10 مايو 1959»، فطوال هذه الفترة لم تفارق حياة الرهبنة الحقيقية فكره، حتى أنه بعد أن تولى مسئولية البطريركية عاش كراهب فى حياته. حدث بعد أن تولى البطريركية، بدأ نشاطه البابوى بزيارة جميع الأديرة التى سبق وعاش بها. ثم بعد ذلك كان يحرص أن يقضى فترات بدير مارمينا بصحراء مريوط. وكان له فى دير مارمينا قلاية صغيرة وكان يحرص أنه يطلق على حجرته هذه اسم «قلاية» لأنها فعلاً كانت حجرة صغيرة ليس بها أى شىء من الترف والراحة. لذلك لم يذهب لقضاء فترة فى منتجع من المنتجعات أو حتى أى رحلات سياحية. حتى فى أمراضه – وما أكثرها – كان يحرص على أن يتم علاجه فى مصر بقلايته البابوية بالمقر البابوى بمنطقة الأزبكية. من هنا فإن رجله كانت تدب على مكان راحته الحقيقية وحبه الأول وهى القلاية، إذ كانت له خبرات كثيرة وحياة رائعة فى قلاية الراهب التى عاش بها 32 سنة (انه عمر آخر».

أيضاً البابا شنودة الثالث «1971 – 2012» البطريرك 117، عاش فى قلاية بدير السريان فى الفترة «18 يوليو 1954 – 30 سبتمبر 1962» عندما استدعاه البابا كيرلس السادس ليكون أسقفاً للتعليم والتربية الكنسية. وفى خلال رهبنته قضى فترة فى مغاير دير السريان كمتوحد. فى فترة أسقفيته كان يحرص على قضاء فترات بقلايته البسيطة بدير السريان، وفى فترة بطريركيته كان يحرص أن يقضى أسبوعياً بضعة أيام بدير الأنبا بيشوى بوادى النطرون، وحتى فى سفرياته إلى الخارج من أجل الخدمة والتعب ومتابعة أحوال أقباط المهجر. لذلك الشخص الذى لم تكن له خبرة بحياة القلاية ولا بالحياة الرهبانية النسكية لا تكون له شركة مع القلاية، بل يستجم فى منتجع ليس له علاقة بالحياة الرهبانية الأصيلة. من هنا إن أردت أن تعرف حقيقة إنسان تعّرف على أماكن تردده. فالإنسان السكير يقضى وقته فى محلات السُكر، والإنسان الباحث يقضى وقته فى أماكن البحث، والإنسان الزاهد يقضى وقته فى قلاية صغيرة للتعبد.