رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

ترهل الثقافة الحكومية


فكرة التثقيف الجماعى بالمؤتمرات والندوات لم تعد مجدية، وثقافة التعصب المنتشرة خير دليل على فساد المشروع الثقافى على مدى ثلاثين عاماً الماضية.

ولا شك أن دعوة المثقفين للحوار حول هذا الموضوع ستكون أكثر فائدة للقيادة السياسية.

بعد اتجاه الدولة إلى الإصلاحات السياسية، الأمر الذى أدى إلى تعاظم دور المشاركة السياسية، وبدأت الدولة فى التخلى تدريجياً، عن فكرة الإعلام الحكومى، وسمحت بحرية إعلامية، وبدأت تفكر فى أصلاح جهازها الإعلامى ليواكب الإصلاحات المقبلة، تبادر إلى ذهنى سؤال:

هل نحن فى حاجة إلى أجهزة الثقافة الحكومية، وكل الهيئات الثقافية التابعة لوزارة الثقافة؟

لا شك أن وجودها كل تلك المؤسسات الثقافية يثقل كاهل الدولة. وفى ظل التوجه السياسى الجديد للدولة، الذى يتحول فيه الجهاز الحكومى إلى جهاز صحيح البدن خالٍ من الترهلات، ليتمكن من تحقيق الخدمات لجماهيره بطريقة راقية وعصرية، فإن وزارة الثقافة مثلها مثل أى جهاز حكومى ، يجب أن تخلوا من الترهلات التى تعيق تقديم الخدمة الثقافية الراقية.

نظرة فاحصة إلى أجهزة وزارة الثقافة تكفى للحكم على مدى التخلف والانهيار الذى بدأ يدب فى أوصالها.

فالهيئة العامة لقصور الثقافة ترهلت بموظفيها ، ولم تعد ميزانيتها تكفى إلا لمرتباتهم وحوافزهم، ويتبقى النذر اليسير للثقافة، وأغلب مقارها قد أغلقت، أو انهارت لقدمها، ولم تعد رسالتها التى كلفت بها فى أواخر الستينيات، ملائمة للطفرة العالمية فى مجالات التثقيف بالفضائيات والقنوات المتخصصة والإنترنت والصحف والمجلات والمطبوعات عالية الجودة والقيمة. لقد أصبحت مهمتها مستحيلة، مؤتمراتها وندواتها، تفتقر إلى الحضور الجماهيرى. كما أنها افتقرت إلى أهم أجهزة الثقافة تأثيراً، وهو المكتبات العامة التى يندر وجودها فى الأقاليم، وأغلقت أغلب مقارها. وعملية إنشاء مقرات جديدة غير مجدية فى الوقت الحالى.

ومثلها هيئة الكتاب ودار الكتب، فلا أحد ينكر أن هيئة الكتاب بدأت الحياة تدب فى أوصالها بعد الإدارة الجديدة.

أما المجلس الأعلى للثقافة فقد تحول إلى هيئة أكاديمية بعيدة عن الواقع الثقافى. ويمكن دمج الهيئتين فى كيان واحد على غرار مكتبة الإسكندرية، مع تشجيع القطاع الخاص على الدخول فى مجال المخطوطات وتحقيقها ونشرها، وأن تتولى الجامعات إنشاء أقسام للتراث وتحقيق المخطوطات، بدلاً من الإدارة الروتينية التى تسببت فى فقد وتلف أنفس المخطوطات والوثائق. ودار الأوبرا تحتاج إلى إدارة متخصصة بعيدة عن الروتين الحكومى بعد أفسدتها التجارب الإدارية السابقة، ما بين الإدارة الفنية والعسكرية، ولم نعد نسمع عن الأوبرا إلا فى الصفحة الأخيرة لمجلة القاهرة فى إعلانها الروتينى عن برنامجها.

ولا أدرى ما الذى يمنع أن تتحول هيئة المسرح، وهيئة قصور الثقافة، ودار الكتب ودار الأوبرا إلى هيئات إنتاجية ذات قانون خاص، تنافس المؤسسات الاقتصادية، وتقدم للناس خدمة ثقافية راقية مدفوعة الأجر وتستفيد الدولة، ويستفيد جيش موظفيها فى تلك الهيئات.

الفكرة تحتاج إلى طرحها على جمهور المثقفين لتناقش بموضوعية وهدوء، بعيداً عن الضجيج، وأن يضع المثقفون فى اعتبارهم: أن الدولة تتجه بكل كيانها إلى ترميم الطبقة الوسطى التى دهسها قطار الخصخصة. إن الدخول السريع إلى الإصلاح الديمقراطى والدستورى سيكون على حساب التوجه الاشتراكى، وهو الفكر السائد فى المجال الثقافى حتى اليوم. وأول شىء تفعله الدولة الجديدة هو نفض بقايا ثقافة الاشتراكية عن كاهلها.

إن فكرة التثقيف الجماعى بالمؤتمرات والندوات لم تعد مجدية، وثقافة التعصب المنتشرة خير دليل على فساد المشروع الثقافى على مدى ثلاثين عاماً الماضية.

ولا شك أن دعوة المثقفين للحوار حول هذا الموضوع ستكون أكثر فائدة للقيادة السياسية.

■ كاتب