رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

وداعاً رمضان


أيام قليلة، أقل من أسبوع وينتهى شهر رمضان المبارك. صام فيه من صام وأفطر فيه من أفطر. مر شهر رمضان مرور الكرام على البشرية كلها، وهكذا يمر العمر كله، لا يحس بحركة الأيام كلها إلا المبصرون والذين يخافون ربهم، ومن يركزون على أهمية الوقت مهما كانت عقيدتهم يأتى بعد رمضان العيد، عيد الفطر، ويأتى بعد هذا العيد، شهر شوال وفيه صيام تطوع ستة أيام، من صامها بعد صيام رمضان فكأنما صام الدهر كله، وهذه العطايا من النعم والبركات الكبيرة، مثل قيام ليلة القدر التى هى ليلة واحدة ولكنها خير من ألف شهر، لما فيها من نعم كبيرة وخيرات وفيرة لا نستطيع أن نحصيها. وفى الحديث الصحيح «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُلُّ عَمَلِ ابْنِ آدَمَ يُضَاعَفُ: الْحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا إِلَى سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ. قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: إِلَّا الصَّوْمَ. فَإِنَّهُ لِي، وَأَنَا أَجْزِى بِهِ؛ يَدَعُ شَهْوَتَهُ وَطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي. لِلصَّائِمِ فَرْحَتَانِ: فَرْحَةٌ عِنْدَ فِطْرِهِ، وَفَرْحَةٌ عِنْدَ لِقَاءِ رَبِّهِ. ولَخَلُوف فَمِ الصَّائِمِ أَطْيَبُ عِنْدَ اللَّهِ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ. وَالصَّوْمُ جُنَّة. وَإِذَا كَانَ يَوْمُ صَوْمِ أَحَدِكُمْ فَلَا يَرْفُثْ وَلَا يَصْخَبْ، فَإِنْ سابَّه أَحَدٌ أَوْ قَاتَلَهُ، فَلْيَقُلْ: إِنِّى امْرُؤٌ صائم». لأن الصيام لله وهو سبحانه وتعالى الذى يجزى به : الصوم كما هو معلوم وخصوصا وكما هو مجرب وفى أقوال العلماء الثقات، يطهر القلوب من أدرانها ويشفيها من أمراضها وخصوصا البخل والشح والغيبة والنميمة، وينمى الخوف من الله والتقوى « وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا*فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا*قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا». وشهر رمضان من أصلح الأوقات لتزكية النفس. إذن عندنا ثلاث مناسبات واضحة، كلها تسهم فى تطهير النفس وتزكيتها. المناسبة الأولى، هى شهر رمضان المبارك بصيامه وقيامه. والمناسبة الثانية هى العيد المبارك . والمناسبة الثالثة هى صيام الأيام الستة من شوال بعد رمضان، ولكل من هذه المناسبات الثلاث فضائل، فضلها وقيمتها للمسلم الذى يقصد وجه الله بصيامه وقيامه وصدقته وعمله كله. المناسبة الأولى، وهى شهر رمضان المبارك مناسبة لتطهير النفس من المعاصى والذنوب والتوبة الصادقة التى تجعل العبد ربانياً، ويرتقى بالصيام والقيام الى تلك المرتبة العظيمة، ويستحق بذلك العفو والمغفرة من الله تعالى»قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ». ولذلك إذا صادف الانسان المسلم الصائم القائم ليلة القدر من رمضان فإنه يدعو ربه، كما علَّمنا النبى صلى الله عليه وسلم ويقول «اللَّهُمَّ إِنَّكَ عُفُوٌّ كَرِيمٌ تُحِبُّ الْعَفْوَ فَاعْفُ عَنِّي» . لا شىء أغلى من العفو والمغفرة . ليس هناك من ثمرات الدنيا كلها ونعمها ما هو يساوى أو يقرب من ثمرات الصيام فى الآخرة.«إِنَّ فِى الْجَنَّةِ بَابًا يُقَالُ لَهُ الرَّيَّانُ يَدْخُلُ مِنْهُ الصَّائِمُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ يُقَالُ أَيْنَ الصَّائِمُونَ فَيَقُومُونَ لَا يَدْخُلُ مِنْهُ أَحَدٌ غَيْرُهُمْ فَإِذَا دَخَلُوا أُغْلِقَ فَلَمْ يَدْخُلْ مِنْهُ أَحَدٌ».المناسبة الثانية، هى صيام الأيامالستة من شوال. وهذه الأيام لها فضل كبير، ولا يلزم صيامها مجتمعة أو متصلة، ولكن المسلم يصومها فى أى وقت من شهر شوال، وفى هذا يقول صلى الله عليه وسلم «من صام رمضان ثم أتبعه بست من شوال كان كصيام الدهر» وقد قال الإمام النووى - رحمه الله -: قال العلماء: «وإنما كان كصيام الدهر، لأن الحسنة بعشر أمثالها، فرمضان بعشرة أشهر، والستة بشهرين..». ونقل الحافظ ابن رجب عن ابن المبارك: «قيل: صيامها من شوال يلتحق بصيام رمضان فى الفضل، فيكون له أجر صيام الدهر فرضاً». وليعلم المسلمون أن : صيام هذه الأيام الستة بعد رمضان دليل على شكر الصائم لربه تعالى على توفيقه له لصيام رمضان، وزيادة فى الخير. كما أن صيامها دليل على حب الطاعات، ورغبة فى المواصلة فى طريق الصالحات.

وقد قال الحافظ ابن رجب - رحمه الله -: «فأما مقابلة نعمة التوفيق لصيام شهر رمضان بارتكاب المعاصى بعده، فهو من فعل من بدل نعمة الله كفراً». ولنعلم جميعاً أنه: ليس للطاعات موسم معين، ثم إذا انقضى هذا الموسم عاد الإنسان إلى المعاصى.إن صيام رمضان يوجب مغفرة ما تقدم من الذنوب، وأن الصائمين لرمضان يوفَّون أجورهم فى يوم الفطر، وهو يوم الجوائز فيكون معاودة الصيام بعد الفطر شكراً لهذه النعمة، فلا نعمة أعظم من مغفرة الذنوب، كان النبى صلى الله عليه وسلم يقوم حتى تتورّم قدماه، فيقال له: أتفعل هذا وقد غفر الله لك ما تقدم من ذنبك وما تأخّر؟! فبقول: «أفلا أكون عبداً شكورا». وكان وهيب بن الورد – كما جاء فى السير - يسأل عن ثواب شىء من الأعمال كالطواف ونحوه، فيقول: لا تسألوا عن ثوابه، ولكن سلوا ما الذى يجب على من وفق لهذا العمل من الشكر، للتوفيق والإعانة عليه».والمناسبة الثالثة، هى عيد الفطر الذى يأتى كل عام، والذى يحتفل فيه المسلمون فى أول يوم من أيام شهر شوال. وعيد الفطر يأتى بعد صيام شهر رمضان، ويكون أول يوم يفطر فيه المسلمون بعد صيام شهر كامل ولذلك سمى بعيد الفطر. وكان أول عيد فطر احتفل فيه المسلمون فى الإسلام فى السنة الثانية للهجرة، حيث كان أول رمضان صامه المسلمون فى السنة الثانية للهجرة. ويحرم صيام أول يوم من أيام عيد الفطر. والعيد كما يقول العلماء يوم واحد فقط، يبدأ بعد غروب شمس اليوم الأخير من شهر رمضان، وينتهى بـ غروب شمس اليوم الأول من شهر شوال. فقد روت فى كتب السنة أن النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قَدِمَ المدينةَ ولَهُمْ – أى أهل المدينة - يومَانِ يلعبُونَ فيهِمَا فقال رسول الله « قدْ أبدلَكم اللهُ تعالَى بِهِمَا خيرًا مِنْهُمَا يومَ الفطرِ ويومَ الأَضْحَى»، ويوم العيد هو يوم فرح وسرور، وأفراح المؤمنين فى دنياهم وأخراهم، إنما هى بفضل مولاهم كما قال الله: ﴿قُلْ بِفَضْلِ اللَّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ﴾. وقد سمى عيد الفطر كذلك لأن المسلمين يفطرون فيه بعد صيام رمضان. صلاة العيد سنة مؤكدة، وهى ركعتان، ووقتها من طلوع الشمس إلى الزوال، ولكن الأحسن تأخيرها إلى أن ترتفع الشمس قدر رمح، أى بحسب رأى العين. وتسن الجماعة فيها، وتصح لو صلاها الشخص منفردًا ركعتين كركعتى سنة الصبح. ويسن فى أول الركعة الأولى بعد تكبيرة الإحرام سبع تكبيرات، وفى الركعة الثانية خمس تكبيرات بعد تكبيرة القيام، ويقول المصلى بين كل تكبيرتين: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر». وكل عام وأنتم بخير.