رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بلدى المحاصر بالتتار «1- 2»


«بلدى المحاصر بالتتار» هذا هو عنوان القصيدة التى اعتدت أن أستمع إليها وأتأمل معانيها للشاعر الكبير د.أحمد تيمور كتقدمة لمحاضرة د.عصام شرف- رئيس الوزراء الأسبق- «رنين الوطن» تلك التى تحرك فينا معانى حب الوطن وتجسد الانتماء شكلا وموضوعا، وهذه المرة كانت القصيدة والمحاضرة من خلال الصالون البحرى المصرى الذى انعقد فى مسقط رأسى «بورسعيد»، حيث حاولت النظر سواء للقصيدة أو للمحاضرة برؤية مختلفة لأن بورسعيد لم تأخذ لقب «الباسلة» صدفة أو اعتباطا وإنما عن جدارة واستحقاق فقبل نحو ستين عاماً تصدت بورسعيد مفتدية مصر كلها لتتار آخر مختلف عن تتار هولاكو وتيمور لنك تمثل فى العدوان الثلاثى على مصر.

وقبل نحو 49 عاماً تصدت بورسعيد مع مدن القناة ومصر كلها لتتار ثان اسمه إسرائيل ألحق بنا هزيمة فى عام 1967 لكننا أفقنا على وقعها بعد عدوان الخامس من يونيه الغادر ولم نستسلم وقررنا إزالة آثار العدوان وبعده بعام ونيف خضنا حربا كان لها معنى جديدا فى الفكر العسكرى والاستراتيجى سميت «حرب الاستنزاف» خططنا لها ولم يكن أحد يعلم أنها التمهيد لنصر أكتوبر العظيم فى عام 1973 على تتار العصر المتمثل فى إسرائيل.

وفى أيامنا هذه وقبل سنوات قليلة دخلنا مرحلة جديدة هى جد مختلفة عن كل ما سبق من حقب تاريخية قديمة أو حديثة حيث نجد فيها تتاراً غير محدد الهوية وهل هو يأتى من الداخل أم من الخارج؟ تتار لا نجده متمثلا فى عدوان عسكرى واضح المعالم يهدف إلى توريطنا فى حرب نظامية تقليدية لكنه يأتى إلينا متخفيا محاصرا مستهدفا إسقاط الوطن ليس الوطن المصرى فحسب إنما هو يسعى فى خبث شديد إلى إسقاط الوطن العربى ككل من خلال شن حرب تنتمى لما يسمى بـ«حروب الجيل الرابع» توظف من خلالها القوى الناعمة داخليا للعمل فى اتجاه مضاد لفكرة البناء والانتماء والاحتشاد والاصطفاف ويكرس بالتدريج فكرة تأخذنا إلى الهدم وعقوق الوطن والاستقطاب وهدم الوعى العام مستخدمة الإعلام التقليدى والجديد وسيلة لتحقيق هذه الأهداف لكن اللواء بحرى محمود متولى- مؤسس الصالون البحرى المصرى- يفاجئنى بمعلومة جديدة - على الأقل بالنسبة لى- فى ورشة عمل عقدها المنتدى المصرى للإعلام مؤخرا بالتعاون مع أكاديمية فيجن للتدريب أن هناك نوعا آخر من الحروب تنتمى لفئة الجيل الخامس يوظف فيها العلم والتكنولوجيا الحديثة فى إحداث كوارث تبدو للوهلة الأولى أنها طبيعية أو دعونا نقول إنها «قضاء وقدر».

لكن هذه الكوارث فى الحقيقة مخططة ومدبرة وهى تتفق مع الإرهاب فى الأهداف وتختلف فى التكتيك والتنفيذ ومن وجهة نظرى هى نوع التتار الذى يحاصرنا بخبث ودهاء فى إطار مخطط يستهدف تغيير خريطة الوطن العربى السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتعتمد فى تحركها على فكرة التدمير الذاتى لإخفاء معالم الفاعل الحقيقى لجريمة التدمير، ومن وجهة نظرى نحن أمام تتار أخطر من كل أنواع التتر الذى شاهدناه وتعاملنا معه على مر العصور، فإذا كان د. تيمور يدق الناقوس لافتا النظر للخطر المحدق بالأمة نتيجة حصار تتار العصر لنا فإن د. شرف ينبه إلى رنين الناقوس الذى يوقظ فى داخلنا الانتماء وحب الوطن.