رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

السلام ليس فقط تجنب الحروب


جرى التعبير عن السلام بأنه لا حروب ولا قتال أو تقاتل، وهذا التعبير ينقصه الكثير من الحقائق، وهناك مقولة لرئيس أمريكى سابق هو «جيمى كارتر» الذى استحق جائزة «نوبل» كرجل سلام بذل جهداً كبيراً للتوفيق بين الرئيس الأسبق محمد أنور السادات مع إسحاق رابين رئيس وزراء اسرائيل، فكارتر صاحب مقولة ترجمتها العربية على النحو التالى «السلام لا يعنى فقط تجنب الحروب أو وقفها...

... فالعالم فى كل مكان يبحث عن سلام داخلى ينتج الحق فى التعبير عن وجهات النظر واختيار قادة الشعوب بحرية كاملة وتقديم الطعام المناسب وتنشئة أطفالهم أصحاء جسداً ونفساً وعقلاً. وفى لقاء تليفزيونى مع الرئيس الامريكى الأسبق جيمى كارتر، وكانت مناسبة هذا اللقاء هو الاحتفال بعيد ميلاده السبعين، سألته باربرا والترز «السيد الرئيس وأنت تتطلع إلى الماضى كضابط البحرية الأمريكية، وكفلاح، وكرجل أعمال، وكحاكم ولاية، وكرئيس أمريكا، كل هذه الأدوار أى دور هو الأفضل فى حياتك؟» قال كارتر «إننى لا أذكر أن وجه الىّ هذا السؤال من قبل، وبعد تفكير قال كارتر «إن أفضل الأيام التى أستمتع بها هى هذه المرحلة منذ أن تركنا، روزالين زوجتى وأنا، البيت الأبيض، ليس ذلك لأننا نستطيع أن نتمتع مع أسرتنا بالوقت والشركة والحياة الخاصة بنا، ولكن بسبب الانشغال بمكتبنا المهتم بأكثر من سبعين دولة حول العالم، تلك الدول التى لم تنل حظها على الساحة العالمية سياسياً أو حربياً، بالإضافة إلى أوضاعها الاقتصادية حيث الشعوب التى تستحق وقتنا وجهدنا باعتبارها الدول الأكثر فقراً والأقل اهتماماً من العالم، وزرنا شعوب جوانا وتيمور الشرقية وهايتى ومالى وبوركينا فاسو والحبشة والنيجر وليبيريا وكوت ديفوار وموزمبيق ونيكاراجوا وغانا ومجتمعات أخرى فى أفريقيا وأمريكا اللاتينية والشرق الأوسط.

ويستطرد الرئيس الأمريكى سابقاً مستر كارتر موضحاً رؤيته من خلال منظمته الإنسانية بالقول «فبدلاً من أقسام الدفاع والتجارة فى البيت الأبيض لدينا مجموعة صغيرة كجمعية تسمى مركز كارتر تجمع عددا من الأكثر خبرة فى إيجاد حلول للمشكلات، وتجنب الأزمات، والاهتمام بحقوق الانسان والصحة النفسية، والزراعة، ومقاومة الأمراض وتجنبها، ونشر الديمقراطيات، ومجموعة كبيرة من شباب الجامعات يمثلون ثلاثمائة وخمسين جامعة حول العالم يتميزون بالفكر والثقافة والدراسة والتمحيص، وكأنهم يقومون بدور الـCIA ولكن بأسلوب مدنى، وهيئة السى أى إيه، أى الهيئة المركزية الذكية، والتى يرأسها كون برينان والتى صدر بها مرسوم رئاسى من الرئيس هارى ترومان دورها سياسى ومعلوماتى، هذا بخلاف دورى ودور مؤسستى الإنسانى يتوافق مع دورى ونشأتى التى لا تميل إلى العنف والحروب، بل على العكس، كان جل اهتمامى هو حل المنازعات - إن وجدت -سلمياً، فالعنف ليس هو الحل حتى وإن تميز أحد أطراف الخلاف بالقوة والسبق فى الأسلحة والمعدات، فالواقع يقول إن أطراف النزاع أو الحروب جميعا من الخاسرين، ليس فقط خسارة مالية، مع أهمية المال لإنفاقه على التعليم والصحة والإنتاج، وتحسين أحوال الناس، ولكن الأهم أرواح الناس لاسيما الشباب الذى يقتل أو يصاب فيعاق عن العمل، فى حين أن حل المشكلات عن طريق الحوار هو أفضل الطرق لجميع الأطراف، وقد تميز كارتر بهذه الميزة بالصبر وإدارة الحوار وحسن الاستماع والوصول إلى الحلول التى ترضى كل الأطراف.

وكتب الرئيس الأمريكى سابقا جيمى كارتر يقول «لقد أعطيت كل جهدى ووقتى للبيت الأبيض حتى إنى توقفت تماماً عن ادارة أعمالى الزراعية والتجارية حتى الأخبار لم يكن يسعى لسماعها إلى أن جاء صديق كان له بعض الاطلاع على أحوال أعمالنا فى زراعة الفول والمخازن التى تخزن فيها المحاصيل، وبعد أن قدم له مشروباً بارداً ليس خمراً، كما سجل فى مذكراته التى أصبحت كتاباً بعنوان «بعيداً عن البيت الأبيض» سأل الرئيس كارتر حيث تمت الزيارة قبل أن يترك رئاسته للولايات المتحدة سأل عن أحوال المزرعتين فأجاب صديقه «هناك خبران أحدهما جيد والآخر ليس كذلك وأبدأ بالخبر الجيد، أرضك كما هى باقية وأشجار الأناناس ما زالت تنمو، أما الخبر السيىء فإنه طوال الأعوام السابقة لم تكن لدينا أمطار فحدث جفاف لمدة ثلاث سنوات، فلم تنتج الأرض ثمراً أيضاً بسبب سوء الرعاية من جانب العمال، كما أن عليكم ديوناً بلغت مليون دولار.

لم يكن الأمر فقط هو الخسارة الكبيرة فقد بعنا المزرعتين والجرارين المستخدمين، ولكن الهم الأكبر هو كيف أحقق ما وعدت به بعد ان تنتهى مسئوليتى فى البيت الأبيض، وكنا نتمنى أن نوفق فى دورة رئاسية ثانية تكون أمامنا فرصة لجمع ما يكفى لإقامة المكتبة التى وعدت بها، وكان المعلوم أننا لا نستطيع استخدام أى موارد حكومية لهذا الغرض، كما لم أكن من المتمكنين من جمع أموال تكفى إقامة هذا المشروع الكبير فى فترة رئاسة واحدة لا تكفى لجمع ما يحقق الهدف، حتى بدا الأمر مزعجاً حيت إننى صحوت من النوم على غير عادتى حتى إن زوجتى قالت «ماذا بك، هل تشعر بمرض»، قال «لا، لكننى أفكر فى ماذا نحن فاعلون، فأنا أصغر رئيس ينهى رئاسته وعمرى لم يتجاوز الستة وخمسين عاماً ومشروع المكتبة يحتاج إلى مبالغ كبيرة والتى تبلغمساحتها ثلاثين فداناً، كان حاكم الولاية قد ساعدنا فى اختيار موقع متميز لإقامة المشروع الذى وعدنا به شعبنا، فقمنا ببيع كل أملاكنا حتى لا أستخدم أى تأثير لى كرئيس لأمريكا فى جمع مال للمشروع، كما بعت جرارين زراعيين، وكذلك المخزن الكبير، ثم طلبت منى إحدى دور النشر أن تشترى مذكراتى التى سوف أكتبها، ومن ثمنها قمنا بترميم بيتنا الذى كان لابد أن يرمم بعد أربعة أعوام فى البيت الأبيض، وفى مدة سنة كاملة كنت قد انتهيت من خمسة آلاف صفحة، وفى الوقت نفسه كنت أبحث عن مقاول للبدء فى مشروع المكتبة التى تجمع نحو سبعة وعشرين مليون مستند رسمى مع أوراق مهمة، وملايين من الصور والتسجيلات الصوتية المرئية التى تمت فى مدة السنوات الأربع لرئاستى. وأترك بقية المقال للأسبوع التالى للحديث عن دوره العالمى للسلام، والاهتمام بأفقر الدول وما تواجهه.