رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

فى ذكرى مؤسس الشَرِكة الرهبانية


فى 22 مايو 2016 تحتفل الكنيسة القبطية بتذكار مرور 1670 عاماً على رحيل مؤسس «الشَرِكة الرهبانية» القديس أنبا باخوم الذى يُعد – كما يقول الأب ليفور «1879 – 1959» الأستاذ بجامعة «لوفن» Leuven البلجيكية– المؤسس والمُشّرع الحقيقى للجماعات الدينية المُنظمة، ذات النظام الدرجى، وفى كلمة واحدة الشَرِكة الرهبانية كما نعرفها اليوم. اسم باخوم هيروغليفى الأصل يعنى «نسر كبير» وبالقبطية: أهوم «لهجة صعيدية»، آخوم «لهجة بحيرية» ويعنى أيضاً «النسر الكبير» وباليونانية باخوميوس، لكن ليس كل من يحمل اسم «باخوم» أو «باخوميوس» حالياً يعنى «نسراً» إذ أصبحت أسماء دون واقع حقيقى!!

وُلد الأنبا باخوم من أبوين وثنيين فى مدينة «كينوبوسكيون» وهى الآن قصر الصياد بمركز دشنا محافظة قنا نحو سنة 286م. وبعد أن تثقف بثقافة المصريين بما تشمل من حِكم ونصائح تم تجنيده من قِبل الرومانيين ليشترك فى الحرب التى كانت قائمة بين الأمبراطور قسطنطين والقيصر مكسيميان دايا سنة 310م. وأثناء مرور الحملة على مدينة أسنا – محافظة قنا قابلهم الأهالى بعطف وكرم وقدموا لهم الطعام، وتعجب من سلوكهم هذا، وعندما استفسر عن سببه علم أنهم مسيحيون، أضمر فى قلبه أن يصير مسيحياً. وبتسريحه من الجيش عاد إلى بلدته، حيث نال المعمودية المقدسة على يد الأنبا سرابيون أسقف دندره، وتعبد بين أطلال معبد لسيرابيس على شاطئ النيل وكان يبلغ من العمر نحو العشرين عاماً. بعد فترة ترك هذا المكان وذهب إلى قرية الحرجة «التى تعنى الموضع الواسع الكثير الشجر Wooded Valley» لجمع الحطب والصلاة. بعد ذلك اصطحب معلمه الأنبا بلامون إلى طبانيس على أثر رؤيا سماوية، حيث بنى أول أديرته على نظام الشركة الباخومية.

والرهبنة – فى الأصل – حركة علمانية لم يكن للكنيسة أى دخل فيها، ولم يكن الرهبان سوى جمهرة من العلمانيين الأتقياء، وكان تركيز الراهب هو على وسائل خلاص نفسه، ولم يأخذ أى أحد من الرهبان – إلا بشكل استثنائى جداً – أى رتبة كهنوتية إلا بغرض خدمة لجماعاته. أما عند الباخوميين فلم يحصل أحد منهم على رتبة كنسية. وكان الأنبا باخوم يقول: «يجب أن تمتنع داخل الأديرة أى دعوة إلى التقدم على الغير، حتى لا ينتج عنها شجار أو حقد أو شقاق بين الأخوة. وكما أن الشرارة التى تسقط على القمح كفيلة بأن تقضى على عمل سنة بكاملها هكذا فإن الفكرة فى أى رتبة كهنوتية قد تُشعل فى القلب الطمع فى أشد صوره وتقضى على السلام الذى يرفرف على الدير».

وتُعتبر الرهبنة الباخومية «نسبة إلى الأنبا باخوم» المرحلة الثالثة فى تطور الحياة الرهبانية فى مصر، وهى التى اصُطلح على تسميتها «بحياة الشركة الرهبانية». وللمرة الأولى فى تاريخ الرهبنة المسيحية نسمع عن أديرة منظمة ذات قوانين وضعية ونُظم مُحكمة، حجر الزاوية فيها الطاعة الفورية المُطلقة. ويُعد هذا الفصل الجديد فى تطور التعاليم الرهبانية من أروع الفصول وأهمهافى كل تاريخها السابق واللاحق، وكان أول أثر أحدثته رهبنة الأنبا باخوم فى أرض مصر هو انضمام عذارى مصر إلى الشركة الرهبانية. ويقول الأب «شينو» الفرنسسكانى فى كتاب «قديسو مصر»: «أن القارئ ليُدهش كثيراً عندما يعلم أنه بعد مدة أكثر من 1500 عام، إن قوانين جماعاتنا المعاصرة ليست سوى قوانين باخوم فى النصف الأول من القرن الرابع».