رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

لقد تناسينا.. خليفة “يعلون” ليس عرَّاب هدم المسجد الأقصى الوحيد

جريدة الدستور

تعالت الأصوات محذرة من ازدياد الأمور تعقيدًا بشأن المسجد الأقصى بعدما تم اعلان أن الحاخام الصهيوني المتطرف “يهودا غليك” سيصبح عضوًا في الكنيست خلفًا لوزير الدفاع موشيه يعلون، الذي أعلن استقالته صباح اليوم الجمعة من منصبيه الوزاري وعضوية الكنيست عن حزب “الليكود” اليميني الحاكم.

إن المتابع للشأن الإسرائيلي يدرك جيدًا أن تولي “غليك” الصهيوني المتدين لهذا المنصب ليس بالشيء الجديد؛ بل مجرد أمر اعتيادي يستشري في المجتمع الإسرائيلي منذ عام 1967م، بعدما حقق الكيان الصهيوني انتصاره المزعوم علينا واستشعر معه قرب تحقيق الخلاص وسماع خطوات المسيح المخلص بعدما باتت حدود أراضينا العربية المحتلة التي باتت في أيديهم تتطابق مع حدود أرض الميعاد التي وعدهم بها الرب والتي قد يصل خيال بعضهم للتصريح بأنها كل مكان يرابط فيه جيش الرب يدخل ضمن تلك الحدود.

التحالف مع العلمانيين…كل شيء مُباح

لقد سكتت الإذاعة العامة الإسرائيلية عن الكيفية التي تم بها اختيار غليك لهذا المنصب؛ بعدما فشل في انتخابات العام الماضي؛ لكن من الواضح أنه إن لم يكن بحكم ترتيبه من حيث عدد الأصوات؛ سيكون بتكليف من حزب الليكود المتطرف، فمنذ سقوط حزب العمل عام 1977م، لا يتوانى أتباع الصهيونية الدينية والذي منهم “غليك” عن التحالف مع حزب الليكود؛ بل والدخول في ائتلافات حكومية معه، ودعم الأخير لهم بتمويله بناء مستوطناتهم الغير شرعية، والمدارس الدينية المتطرفة التي يتخرج فيها عُتاة الأصوليين اليهود المحرضين على العنف والإرهاب ضد العرب أصحاب الأرض الشرعيين.

ونجد تأكيد نفس الاتجاه، في الرد الذي قدمه الحاخام “تسفي يهودا كوك” الأب الروحى لهؤلاء المتطرفين عندما لجأت إليه زعامة “جوش إيمونيم” وعدد من الشخصيات العلمانية التي شاركت في إقامة حزب”هتحيا”؛ لكي يُدلي برأيه في شرعية تأسيس حزب مختلط. وكان رد الحاخام “تسفي كوك” هو “من أجل أرض إسرائيل يجب السير سويًا.

حاخام ومدير مدرسة دينية وعضو كنيست …التغلغل التام

فغليك ليس أول حاخام متطرف يدخل الكنيست الإسرائيلي فطالما سمعنا عن الإرهابي المتطرف الحاخام حاييم دروكمان، وهو بالمناسبة رئيس لإحدى المدارس الدينية المتطرفة (اليشيفا) والتي تدرس الإرهاب والعنصرية وتحث على عدم التفريط في ذرة رمل واحدة ، “دروكمان” المولود في بولندا عام(1932م) والذي درس في معاهد “بني عكيفا” والقيادي بحركة “جوش إيمونيم ” الإرهابية التي تمويل المستوطنين الصهاينة وتنظم الكثير من العمليات الإرهابية والاغتيالات، اشتهر بتحريضه الجنود على عدم الامتثال للأوامر العسكرية واعتبر تنفيذ الأوامر بإخلاء المستوطنات “بمثابة ارتداد عن الدين اليهودي”.

إن تيار الصهيونية الدينية يسعى عن طريق غرس مخالبه في كل أركان الكيان الصهيوني للوقوف على قمة حركات المعارضة لأية تسوية للصراع العربي الإسرائيلي وتشكيل التنظيمات التي تستهدف إفشال مساعي الحكومة في هذا السبيل وهذا لا يعني أن الأخيرة تسعى للتسوية ولكن تتظاهر بذلك فهى تتفق مع الحاخامات المتطرفين وهى من يسعى إلي ازدياد شوكتهم بتمويلهم ودعمهم فالهدف واحد هو التوسع في حدود الكيان الصهيوني الذي لا نعرف له حدود ولا خريطة إلى الآن.

كما كان ميخائيل بن أري(12أكتوبر 1963) ، وهو عضو كنيست سابق، وهو يتبني نفس الفكر الأيديولوجي “لغليك” ونشأ في كنف نفس المدارس المتطرفة التي تربى بين جنباتهاخليفة يعلون، ورئيس حركة ‘ليهافا” بإحراق العلم الفلسطيني عند مدخل وزارة الأمن بتل أبيب وهو وزملائه.وادعى الإرهابيون أنَّهم أحرقوا العلم احتجاجًا على عقوبات فرضها جيش الاحتلال على جنديين أحرقا علمًا فلسطينيًا قرب نابلس.وفرض الجيش عقابا سخيفا ومتساهلا على الجنديين، حيث فرض عليها البقاء لمدة 20 و28 يومًا في قاعدة عسكرية.عرَّاب اقتحامات المسجد الأقصى.

اشعال حرب كُبرى لاستقدام المسيح المخلص

ويسعى “معهد الهيكل” الذي تقلد “غليك” منصب مديرًا عامًا له، وحاخامات الصهيونية الدينية المسيحانية الكوكية إلى تدمير “المسجد الأقصى”؛ لأن المجازفة بإشعال حرب كبرى مع العالم الإسلامى سيجبرون الله على إرسال “المسيح” لإنقاذ إسرائيل، بإصدار حاخاماته الكثير من الفتاوى في هذا الصدد.

يقول الحاخام”أبراهام إسحاق هكوهين كوك”إنَّه “عندما تكون هناك حرب كُبرى تستيقظ قوة المسيح…ويستقر العالم، ويعلو صوت القُمْريَّة في أرضنا، وموت أؤلئك الأفراد في خضم الحرب بلا مُحاكمة هو موت افتداء كموت الصديقين…بنهاية الحرب يتجدد العالم بروح جديدة، وتظهر أكثر أقدام المسيح، وبقدر ما تكون الحرب كبيرة كماً وكيفاً بقدر ما يتعاظم الأمل في مجيء المسيح فيه”.

ويشرح الحاخامين “ديفيد سمسون”، و”تسفي فيشمان”، وهم من تلاميذ ابنه الحاخام تسفى كوك الفقرة السابقة قائلين: “تُستنهض قوة المسيا، حينما يشهد العالم حرب كُبرى؛ إذ تنُص “الجمارا” على أنَّ الحرب بداية للخلاص أيضًا. وفقًا لذلك فحسب رأيهم فإنَّ «وعد بلفور» الذي اعترف بحق اليهود في أرض إسرائيل هو نتيجة مباشرة للحرب العالمية الأولى. فبإدراك أنَّ خلاص إسرائيل هو هدف تاريخ العالم؛ يكتشف المرء بُعدًا روحانيًا جديدًا للتطورات، والثورات والحروب التي يشهدها العالم“، ويوضحا أنَّ “موت الصديقين يُعد تكفيرًا عن الأمة، وخطوات المسيا ماهى إلاَّ نتيجة طبيعية وواقعية للمسيا الذي يظهر في العالم، والتي تتمثل في العودة من الشتات إلى صهيون، وإعادة بناء أرض إسرائيل.

المزج ما بين النظرية والتطبيق

“فغليك” ليس هو العرَّاب الوحيد الداعي لهدم المسجد الأقصى؛ بل هناك الكثيرون مثله ممن لا يتشدقون فقط بالشعارات بل يمزجون النظرية بالتطبيق “ففي مارس عام 1983م، أُلقى القبض على بضع عشرات من اليهود المتدينين المتعصبين، كانوا يُعدون العُدة لاقتحام “المسجد الأقصى” والاستيلاء عليه بقوة السلاح، وكان الكثير من هؤلاء الشبان يحملون لدى اعتقالهم أسلحة عسكرية إسرائيلية، أي أنَّهم حصلوا عليها بمعاونة عناصر مسئولة داخل الجيش الإسرائيلي، وتم اعتقال معظمهم في منزل الحاخام “إسرئيل آرئيل” وهو عضو في”معهد الهيكل”، وأطلقت عليهم أجهزة الإعلام الصهيونية اسم حركة “الحاخام آرئيل السرية”، أو حركة”جبل الهيكل السرية“.

أقيم معهد بناء الهيكل מכון המקדש“عام 1983م، في الحي اليهودي في القدس، على يد الحاخامات “يسرئيل آرئيل” ישראל אריאל، و”موشيه نيمان” משה ניימן، و”ميخال بن حورين” מיכל בן-חורין ويعارض الحاخام “آرئيل” بشدة الرأي القائل بأنَّ الهيكل سيبني من نفسه عن طريق معجزة؛ لذا أقام “معهد الهيكل”الذي أخذ على عاتقه تنفيذ وصية “ويصنعون لي مقدسًا” سفر الخروج(24/8) بصورة عملية، وبدأ الاهتمام بإعداد الأدوات للهيكل. ومن أجل ذلك استعان بخبراء في تخصصات مختلفة مثل: فن العمارة، وعلم النبات، وعلم الحيوان، وعلم الآثار، وغيرها وقد نجح المعهد في جذب أعدادًا كبيرة من الجماهير الذين يترددون عليه لمشاهدة معرض آنية الطقوس الدينية وأدوات الهيكل.

حرب أهلية واغتيالات سياسية


إن الجماعة التي ينتمي إليها غليك لا تتوقف عند هدف المسجد الأقصى والعداء والتحريض على الإرهاب ضد العرب وحدهم؛ بل يصل بهم الحد إلى التحريض على الاغتيالات السياسية ضد من يعرقل الإرادة الإلهية في تحقيق الخلاص ببناء الدولة اليهودية وإن كان من اليهود أنفسهم كما حدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي “يتسحاق رابين” حينما وقع اتفاقيات أوسلو إذ حرض الحاخامات على قتله وأصدروا الفتاوى التى تبرر القيام بذلك وهو ما اعترف به ايجال عامير قاتل رابين حينما تم إلقاء القبض عليه عام 1994م حينما قال ” من أنا حتى أحمل على عاتقي مثل تلك المهمة” وحينما قالت له لجنة التحقيق أن الحاخامات يتبرؤن مما فعلت فرد قائلًا: ” لا تلتفتوا إلى ما يصرحون به لوسائل الاعلام فهو مختلف تمامًا عما يدرسونه ويدعون إليه في مدارسهم الدينية” .

فقد يدخل أتباع التيار المنتمي إليه “غليك” وهو المجسد للإرهاب في أبشع صورة في حرب أهلية مع العلمانيين اليهود أو أي تيار أخر يعرقل من تحقيق هدفهم في حرب أهلية فقبل اغتيال “إسحاق رابين” יִצְחָק רַבִּין وقبل إصدار الدعوة للتمرد بثمانية عشرة عامًا أصدر الرابي “تسفي يهودا كوك” نداء الحرب، وذلك عندما أطلق في السبعينيات فتواه بأنَّه “لا يجوز ولا بأية حال من الأحوال كما ليس هناك من هو مخول بالتنازل ولو عن ذرة رمل واحدة مما منحنا الرب، وأنَّه لا توجد أية قوة في العالم يمكنها أن تفرض علينا ذلك، لا أمم العالم الشريرة ولا من ينضم إليها لا سمح الله، من الأشرار من أبناء شعبنا. وعلينا نحن اليهود الحقيقيين، أنْ نكافح ضد هذه المؤامرة الرهيبة وضد أعدائنا وضد من يتعاون معهم من اليهود”. وعندما سُئل فيما إذا كان هذا يعني حربًا أهلية، أجاب بتلك الإجابة نفسها التي قالها أحدهم(أي المسيح عليه السلام) للملك الروماني: أنتَ قُلت”.

العرب لابد أن يخضعوا للسيادة اليهودية

أما فيما يتعلق بنظرة غليك ورفقائه للعرب يقول: “تسفي كوك” الأب الروحي لهم :”عليهم أولاً أن يقروا بعدم التقدم بأي مطالب تتعلق بالسلطة السياسية…فمن المستحيل علينا إنكار حقيقة أنَّنا لا نُقر لهم بأيَّة حصة في الحُكم، ولا مجال للمناقشة معهم؛ إلاَّ بعد أنْ يعرفوا هذه الأمور”، ويستند “تسفي كوك” في هذه الفتوى إلى التضمينات الهالاخية المعتمدة على أصول الشريعة لمفهوم “الجاز توشاف”، أو الأجنبي المقيم، الذي يتوجب مراعاة “وصايا نوح السبع” שבע מצוות בני נח في التعامل معه، ومضمونها يقوم على ضرورة قبولة بسيادة اليهود ودفع الضربية لحكومة إسرائيل والإقرار بقداسة التوراة والخضوع لقوانين الدولة اليهودية وحظر تملك الأرض لغير اليهود فيها ونقل ملكيتها.

انتبهوا …لقد أصبح حلمهم حقيقة نتجرعها

إلى متى سنظل نتابع الأنباء التي “أكل عليها الزمان وشرب”، ونستمع إليها وكأنها تقال أمامنا للوهلة الأولى هناك غير “غليك” الكثيرون ممن نجحوا بالفعل في تجسيد أحلام حاخامهم “أبراهام كوك” على أرض الواقع، لقد مات كوك عام 1935م ، وإلى الآن لا يزال أتباعه يحققون الانتصارات الواحدة تلو الأخرى وتجسيد أفكاره وابنه تسفي على أرض الواقع. لقد نجحوا في ايجاد أرضيه مشتركة ما بين المتدينين والعلمانيين، وباتت شوكتهم قوية للضغط على العلمانيين مؤسسوا الكيان الصهيوني، بل وصل بهم الأمر إلى التغلغل إلى داخل جيش الاحتلال الصهيوني، والكنيست، والموساد، والحكومة الإسرائيلية، ونحن نقف مكتوفي الأيدى، شاريدين الأذهان غافلين عن قضينا الأولى والأخيرة …وما زال الأقصى ينادينا أليس منَّا رجل رشيد؟!!