رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

هل كلهم خبراء؟


ظاهرة جديدة ألمت بالشعب المصرى فى السنوات الأخيرة. ألا وهى ادعاء الخبرة وامتلاك نواصى المعرفة..؛ فالناس كل الناس أصبحوا بين عشية وضحاها كلهم ساسة وخبراء.. وأصبح من الطبيعى أن تجد نفراً من العامة يجلسون القرفصاء على قارعة الطريق أو بعد الانتهاء من أداء إحدى الصلوات وبدلاً من التحدث فى أمور تعود عليهم بثمر نافع تجدهم يتحدثون فى أمور ربما عجز خبراء السياسة أن يضعوا لها حلولاً وبكلمات عفوية بسيطة يدلى كل منهم بدلوه وإن افتقدوا إلى أدنى المعلومات وأقلها فى القضية التى يتحدثون فيها.

نموذج ذلك ما حدث فى الأيام الأخيرة وما أثير حول جزيرتى تيران وصنافير. خفت صوت أهل الاختصاص وتعالت أصوات لا ناقة لها ولا جمل بالقضية.. ولو سألت أحدهم أين تقع الجزيرتان لربما أخفق فى الوقوف على مكانهما. أهل الرأى والمتخصصون وأساتذة التاريخ الحديث والقديم قالوا ماقال مالك فى الخمر ومازال أنصاف المتعلمين والعوام هم المتصدرون للمشهد. بل وحشروا أنوفهم فى تقديم المبررات التى تثبت ملكيتها لنا أو العكس. وفتح الإعلام بأطيافه ومنطلقاتة الأبواب على مصاريعها أمام هؤلاء للإدلاء بدلوهم وتقديم المواعظ مما أصابنا جميعاً بحالة من اللخبطة والاضطراب.

كل الدول ترسخ لأهل التخصص ونحن على النقيض ودون غيرنا من فتحنا الباب أمام النطيحة والمتردية وما أكل السبع.. والأمر لم يتوقف عند هذا الحد بل امتد إلى أمور الدين فقد أصبحت الفتاوى ضيعة لكل من دب وهب. وترك الحبل على الغارب والثمرة حالة من الخلل أصابت كل مناحى الحياة. دولة لاتؤمن بالتخصص وأهل العلم لايمكن أن تقوم من كبوتها. وقد علمنا الإسلام اللجوء إلى أهل العلم قال تعالى «فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لاتعلمون» الأنبياء.

وسبب نزول هذه الآية أن مشركى مكة أنكروا على النبى صلى الله عليه وسلم أن يكون الله تعالى قد أرسل بشراً وأهل الذكر هنا هم أهل الكتاب والأمم السابقة الذين بعث الله إليهم الرسل ولكن العبرة بعموم اللفظ لابخصوص السبب كما هو مقرر فى أصول الفقة ولهذا قال ابن عطية. وأهل الذكر عام فى كل من يعزى إليه علم. فأهل الذكر هم أهل الاختصاص فى كل فن.

وقد سئل إمام الدعاة الراحل الشيخ محمد متولى الشعراوى رداً على أحد السفسطائيين مرض الجدل كم رغيفاً فى جوال الدقيق يا مولانا؟ فرد عليه إذن عليك بالخباز وسيجيبك بدقة. فالأمر لايقف عند أمور الدين بل يمتد إلى كل مناحى الحياة. وقد كان الإمام مالك وهو أعلم أهل زمانه يسئل فى المسائل المتعددة فلا يجيب إلا على القليل منها. وقد قيل فى حقه لايفتى ومالك فى المدينة معأنها كانت تعج بالعلماء. فما بالنا وقد أصبحنا جميعاً خبراء فى السياسة وفى القانون وفى التاريخ وفى الزراعة إلخ وإن افتقدنا أدنى المعلومات التى تخول لنا الحديث فى هذة القضايا.. فهل نعود إلى أزماننا الوارفة عندما كان المتخصصون يتكلمون وتخرس ألسنة العوام. هذا ما نرجوه؟؟

■ كاتب وباحث