رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

بهجة شم النسيم.. وغضب الأشرار


بينما يفرح المصريون بقدوم الربيع حيث تتفتح الزهور ويسود النسيم العليل، نجد هناك فئة ضالة من الناس – غير الأسوياء – يعتريهم الحُزن والغضب والكآبة بقدوم الربيع وينشرون أفكارهم المُسممة بين فئات الشعب لمنعهم من الفرحة والبهجة، لكن هيهات أن تجد لدعوتهم الشريرة أى صدى فى نفوس الأسوياء.

كان المصريون القدماء يحددون سنتهم الشمسية – التى تُعد من أقدم التقاويم بل وأدقها - طبقاً لظواهر فلكية رصدوها، وكانت الشمس عندهم تبدأ بعد اكتمال البدر الذى يلى الاعتدال الربيعى مباشرة وهو الذى يتساوى فيه الليل والنهار - فلكياً هو وقت حلول الشمس فى برج الحمل ويقع فى 25 برمهات. وحسب الاعتقاد السائد فى ذلك الوقت أن ذلك اليوم هو بدء خلق العالم، لذلك اعتبروه أول الزمان. وكان المصريون القدماء يحتفلون بعيد الربيع كما نحتفل بعيد شم النسيم الآن، ويشترك فيه الفرعون والوزراء والعظماء فهو العيد الذى تُبعث فيه الحياة ويتجدد النبات وينشط الحيوان لتجديد النوع وهو بمثابة الخلق الجديد فى الطبيعة. وكانوا يفرحون لحلوله ويجعلون منه يوم راحة ففيه تزدهر الخضرة وتتفتح الزهور ويخرج الناس أفواجاً وجماعات إلى الحدائق والحقول للتريض وهم فى نشوة من الفرح والسرور ويقضون يومهم فى أحضان الطبيعة الباسمة ويستنشقون روائح الزهور المتفتحة ويستمتعون بالورود تاركين وراءهم متاعب الحياة وهمومها.

اعتاد المصريون – فى هذا اليوم – يحملون طعامهم وشرابهم، وكانت الأسر المصرية تجد مُتعة فى استقلال القوارب الخفيفة وهى تسير بهم على صفحة مياه النيل يجمعون الزهور ويصطادون الأسماك والطيور ويغنون ويرقصون على أنغام الناى والمزمار ويقضون يومهم فى فرح ومرح. وكان أحب أنواع الطعام لديهم فى ذلك اليوم البيض والسمك المُملح الذى يُطلق عليه اسم الفسيخ والبصل والخس ولحم الأوز والبط المشوى. فالبيض يرمز لخصب الطيور وموعد ظهور جيل جديد منه، كما أن البيضة فى المسيحية تشير إلى الشىء الصغير الذى تخرج منه الحياة مُجسمة فى شكل مخلوق، ومنها صارت تعبيراً عن بعث الحياة ورمزاً لها. أما تجفيف السمك وتمليحه – كما ذكر المؤرخ اليونانى هيرودوت الذى زار مصر نحو القرن الخامس قبل الميلاد – أن المصريين كانوا يأكلون السمك ويجففون بعضه فى الشمس ويأكلونه نيئاً ويحفظون البعض الآخر فى الملح. وهنا كان يعنى هيرودوت السمك المُملح أو الفسيخ الذى كانوا يرون أن أكله مفيد أثناء تغيير الفصول.

أما الخُضر وبخاصة الملانة والخس فأكلها لذيذ فى هذا الفصل من السنة. وقد أجمع العلماء على أن الخس البلدى يحتوى على مادة زيتية تجلب القوة الحيوية للإنسان وبه نسبة من فيتامين هـ . وكان هذا العيد – الذى تحول فى مصر إلى عيد وطنى لجميع المصريين – رمزاً للخضرة المحببة إلى نفوسهم وعلامة بعث نبات جديد وموعد تفتح الزهور. وهكذا ظل شم النسيم عيداً للطبيعة والربيع قائماً من عهد الفراعنة حتى اليوم، ولم تقض عليه الأديان التى اعتنقها المصريون من مسيحية وإسلام بل أصبح عيداً قومياً يحتفل به المصريون على اختلاف معتقداتهم.