رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز
رئيس مجلسى الإدارة والتحرير
محمد الباز

في ذكرى ميلاده.. «صدام حسين» تاريخ من المعارك والمجازر: بدأ حكمه بانقلاب وأنهاه على «حبل المشنقة».. وتنبأ بإعدام الشعوب العربية لحكامها

صدام حسين
صدام حسين

«أنا أعدمتني أمريكا.. وأنتم سوف تعدمكم شعوبكم» نبوءٌة بدا أنها تحققت بعد ثمان سنوات من إعدامه، ذلك الرجل الذي حكم دولته بالحديد والنار، هكذا اخترنا أن نبدأ رحلة في حياة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث تحل اليوم ذكرى مولده، فقد ولد في 28 إبريل من العام 1937.

نشأته القاسية
طفل صغير من مدينة العوجة، الواقعة قرب تكريت، تربى في كنف جده لعامين، وفي جبروت زوج أمه حتى صار عمره 11 عامًا، عاش فيها في ظل جفاء وقسوة زوج أمه، ولم ينل من التعليم إلا اليسير ولا الكثير، حتى جاءته النجدة بأن احتضنه خاله في عام 1947 ليدخله المدرسة، ويتعلم ما يشفى صدره، وحتى هذا تسبب له في ألم نفسي لأنه كان اقترب من البلوغ في حين كان زملاؤه مازالوا أقرب لسن الرضاعة عن البلوغ.

انخراطه في العمل السياسي
لما كان صدام في أواخر الخمسينات بدأ رحلة الصدام مع الحياة، انضم لحركة "الفتوة" والتي كانت بمثابة شبيبة تحمل الأفكار القومية التي نثر بذورها الرئيس المصري وقتها جمال عبد الناصر في الوطن العربي، كانت حركة مناوئة بالتأكيد للنظام الملكي الذي كان مازال مسيطرًا على الحكم في العراق، كنت تراه وقتها في مقدمة المظاهرات والأعمال التي تحمل في طابعها العنف، بعد تشجيع من خاله، وكذا طبيعته القاسية وبنيانه القوى.

انضم في أواخر الخمسينات، لما يعرف وقتها بحزب «البعث»، الذي كان يحمل أفكارًا قومية ووحدوية عربية وهى نفسها أفكار ناصر، كان الحزب وقتها يضم في أحضانه ما لا يزيد على 300 عضو، لكنهم كانوا بمثابة شعلة عمل ونشاط وكان هدفهم هو الاستيلاء على السلطة.

لم تساعده الظروف في دخول الأكاديمية العسكرية بسبب تدنى تعليمه، فأكمل دراسته وجاء للقاهرة ليدرس في مدرسة قصر النيل الثانوية، ومن ثم يكمل طلب العلم في كلية الحقوق.

المشاركة في محاولة اغتيال .. وانقلاب جديد
جاءت الثورة في العراق في العام 1958 بقيادة مجموعة تسمى "الضباط الأحرار"، وكان على قيادتها وقتها عبدالسلام عارف، وعبد الكريم قاسم، الذي أصبح فيما بعد رئيسًا للجمهورية، وأيد البعثيين، الذي كان صدام واحدًا منهم هذا الحراك، لتمر الأيام وفى العام التالي 1959 يشارك صدام حسين مع مجموعة من أبناء حزب البعث في محاولة اغتيال الرئيس"قاسم"، لكن المحاولة باءت بالفشل، ليتوجه صدام حسين إلى سوريا هربًا ومنها إلى مصر ليكون أكثر أمنا.

وبالتأكيد السبب يرجع إلى النظام القومي في مصر، الذي كان يحتضن مجموعة كبيرة من البعثيين وقتها، وأكمل ما تيسر من دراسته في القاهرة وتواصل مع قيادات حزب البعث في سوريا ليمنح مناصب كبيرة بينهم، حتى جاء انقلاب جديد على الرئيس العراقي عبد الكريم قاسم في عام 1963 ليأتي عبد السلام عارف شريكه في الإطاحة بالملك فيصل الثاني ليصبح الرئيس الجديد بعد معركة دموية راح ضحيتها المئات من العراقيين قادها اللواء أحمد حسن بكر والذي أصبح فيما بعد رئيسًا للوزراء، وعاد صدام إلى العراق، لكنه عانى التهميش وقتها، إلا أن المعارك والمناوشات التي حدثت وقتها بين البعثيين والشيوعيين أعادته للواجهة فهو خير من يؤدى أدوارًا فعالة في تلك المواقف، وعين في لجنة استخبارات الحزب البعثي.

سجنه لتشكيل تنظيم أمني سرّى
وبعد خلافات بعثية على السلطة تدخل الرئيس عبدالسلام عارف لينصر وأقال رئيس الوزراء وزج به في السجن إلى جانب العديد من البعثيين، ولكن كان الحظ كريمًا مع صدام إذ لم يكن السجن من نصيبه، وقام صدام وقتها بتكوين تنظيم سرى مع المجموعة التي لم ينلها سوء الحظ للتواجد في ظلمات السجون، وبسبب نشاطاته المعارضة تم الزج به في السجن في العام 1964 لتيمكن من الهرب بعد ذلك في العام 1966، لينفذ انقلابا عسكريا مع مجموعة من البعثيين على الرئيس وقتها عبد الرحمن عارف شقيق الرئيس الذي سبقه عبدالسلام عارف، والذي كان قد توفى في حادث سقوط طائرة.

تولى "صدام حسين" رئاسة العراق
عين اللواء أحمد حسن بكر رئيسًا للجمهورية بعد توليه حزب البعث مقاليد الحكم، وعين صدام نائبا لرئيس مجلس قيادة الثورة ليبدأ في جمع السلطة بين يديه ليكون الرجل الأقوى في الدولة حتى أنه كان أقوى من رئيس الجمهورية نفسه، وبعد سنوات ساهم فيها في نهضة اقتصادية وقام بتقوية الأجهزة الأمنية وعمل بشكل دءوب على تجميع السلطة في يديه، شعر الرئيس أحمد حسن بكر أن الدائرة تضيق من حوله ليستقيل من منصبه لظروف صحية، ويتولى صدام حسين منصب رئيس الجمهورية في العام 1979، وبات رئيسًا لمجلس قيادة الثورة وقائدًا عامًا للقوات المسلحة.

مذبحة "قاعة الخلد"
بعد 6 أيام فقط من توليه السلطة في 22 يوليو عام 1979، قام بما عرف بعد ذلك بمذبحة "قاعة الخالدية"، بعيون متشرّبة بالخوف جلس أعضاء حزب البعث مجلس الطفل المخطئ أمام أمه، فهو لا يعرف هل سينال العفو أم سينال الرجم، وبدأ صدام يتلو عليهم حديثا عن الخيانة، وبين الفينة والأخرى كان ينادى المنادى باسم أحد الحضور، ليتم اقتياده خارج القاعة التي أمر صدام بتصوير ما يقع بداخلها تلك الليلة للتاريخ وللتخويف، كان يتم اقتيادهم للخارج لاستقبال رصاصة في الرأس أو في القلب لا يكون لها ثانِ، رصاصة أنهت الرعب الذي اعترى الوجوه.

جلس صدام أمام الجميع في "قاعة الخلد" يتحدث عن خونة، تآمروا مع الرئيس السوري حافظ الأسد، ضد صدام، ربما تقترب كثيرًا من "مذبحة القلعة" التي نفذها محمد على ضد "المماليك" في العام 1811.

معاركه.. وسقوطه
بعد توليه السلطة، كانت قد قامت الثورة الإيرانية واستغل صدام التخبط الحادث هناك ليحاول حسم خلافات حدودية بينه وبين إيران واحتل بعض المناطق، ليعصف بالاتفاقية الموقعة بين الجانبين في العام 1975 في الجزائر، امتدت الحرب لثمانية أعوام، وما لبثت أن انتهت حتى قام صدام بعدها بعامين باحتلال الكويت لتقوم حرب الخليج الثانية، ليعزل تدريجيًا عن العالم حتى قامت الولايات المتحدة الأمريكية بقصف صاروخي مستهدفة مقر المخابرات المركزية في بغداد، وصولًا للعام 1998 لتنفذ الولايات المتحدة مع بريطانيا عملية ثعلب الصحراء، وقد كانت الحكومة العراقية وقتها تصدر النفط مقابل الحصول على الغذاء والدواء وتدنى المستوى المعيشي بشكل كبير.

وفى العام 2003 قامت القوات الأمريكية والبريطانية بعملية غزو كامل للعراق ليسقط نظام صدام حسين ويفر هاربًا.

التضحية به
هرب صدام بعد الاحتلال الأمريكي البريطاني للعراق إلى أن أبلغ عنه أحد أقربائه في ديسمبر من العام 2003، ليتم القبض عليه، وكان الحديث وقتها عن أن المقبوض عليه هو شبيه لصدام حسين وبعد مجموعة من الفحوصات تبين أنه صدام حسين.

قبل إعدامه، سأله الضابط الأمريكي عن آخر مطالبه، فقال له: "أريد المعطف الذي كنت أرتديه"، ليرد الضابط: "طلبك مجاب، لكن أخبرني لماذا؟"، فيقول صدام: "الجو في العراق عند الفجر يكون باردا.. ولا أريد أن أرتجف فيعتقد شعبي أن قائدهم يرتجف خوفا من الموت".

وأنهى حياته بمقولته الشهيرة للحكام العرب:"أنا ستعدمني أمريكا.. أما أنتم ستعدمكم شعوبكم" والتي تحققت بعد ذلك.

نفذ حكم الإعدام، فجر يوم السبت الموافق 30 ديسمبر 2006، في بغداد الموافق العاشر من ذي الحجة الموافق أول أيام عيد الأضحى، ولقد تمت عملية الإعدام في مقر الشعبة الخامسة في منطقة الكاظمية.